كان لافتاً للانتباه خلال شهر نوفمبر الجاري،أن تحظى الفعاليات المتصلة بالصناعة بتغطية موسعة من جانب الصحف ووسائل الإعلام المختلفة. وكان من بين هذه الفعاليات افتتاح مصنع البولي إيثيلين الثالث لشركة قابكو التابعة لشركة صناعات، والإعلان عن قيام غرفة تجارة وصناعة قطر بدراسة شاملة للقطاع الصناعي في دولة قطر لتحديد الفرص الاستثمارية المتاحة، وعقد منظمة الخليج للاستشارات الصناعية لورشة عمل؛ بغرض مراجعة وتقييم الاستراتيجية الموحدة للتنمية الصناعية في دول المجلس. هذه العناوين الرئيسية الثلاث، وما تفرع تحتها من عناوين فرعية عديدة، أثارت انتباهي ورأيت أنها تستحق تسليط المزيد من الضوء عليها في مقال أو أكثر لأهميتها للاقتصاد القطري، ولاقتصادات دول مجلس التعاون بوجه عام. فمن حيث التوسعة الثالثة لشركة قطر للبتروكيماويات، أشير إلى أن هذه التوسعة سوف تقوم بتصنيع الكميات الفائضة من الإيثيلين لدى الشركة في انتاج المزيد من مادة البولي إيثيلين المنخفض الكثافة،بمايرفع الطاقة الانتاجية للمصنع من هذه المادة إلى 700 ألف طن سنوياً، وتكلف إنشاء المصنع الجديد نحو 2.3 مليار ريال. وستعمل هذه الإضافة الجديدة على تعزيز صادرات قطر من البتروكيماويات وتجعل شركة قابكو من أكبر المنتجين المنفردين في العالم. وسيكون لذلك انعكاس إيجابي على زيادة الصادرات وما يتبع ذلك من زيادة الفوائض السنوية في ميزان السلع للدولة مع العالم، وزيادة الإيرادات التشغيلية والربح الصافي لشركة قابكو ولشركة صناعات ككل. ورغم ذلك قد لا تستطيع صناعات زيادة توزيعاتها السنوية عن 7.5 ريال للسهم في السنوات القادمة باعتبار أن هناك أولويات لتسديد القروض والمديونيات الكبيرة التي تنجم عن عمليات التوسعة لشركات صناعات والتي بلغت حتى نهاية الربع الثالث من هذا العام نحو 10.7 مليار ريال، كمطلوبات متداولة وغير متداولة.كما أن إتمام هذه التوسعة، وما يجري حالياً من توسعة سادسة لشركة قطر للأسمدة الكيماوية قافكو، سيترتب عليه بالتأكيد زيادة عدد العاملين في شركة صناعات إلى أكثر من ستة آلاف عامل وموظف-جزء كبيرمنهم من غير القطريين-بما يساهم في زيادة الخلل في التركيبة السكانية. وفي الموضوع الثاني أشير إلى أن الدراسة الشاملة للقطاع الصناعي في دولة قطر، هي بالتأكيد خطوة لاحقة ومكملة للخارطة الصناعية التي أنجزتها منظمة الخليج للاستشارات الصناعية في يونيو الماضي. وكما أشرت في عدة مقالات سابقة عن موضوع الخارطة الصناعية، فإنها قد بحثت عن الصناعات الغائبة في كل بلد، التي يمكن قيامها من الناحية النظرية، لوجود سوق لها أو لتوافر موادها الخام. ولكن هذا التحديد المبدئي والنظري للصناعات الغائبة، يتطلب أن تتبعه دراسات ومسوحات تكميلية، تقوم بها غرف التجارة والصناعة، أو الإدارات الصناعية المعنية في كل بلد، للتأكد من عدم وجود عوائق أو مصاعب تحول دون قيامها،كعدم وجود مساحات كافية من المناطق الصناعية في الوقت الراهن، وإمكانية توفير العمالة اللازمة لها محلياً أو من جنسيات أجنبية مختلفة، وتوافر التمويل المناسب سواء من بنك التنمية أو البنوك المحلية،وأن يكون لها جدوى مالية مناسبة.كما أن من الضروري التأكد من جداوها الاقتصادية بحيث لا تكون الزيادة في التكلفة المجتمعية-التي يتحملها المجتمع ككل-المترتبة عليها أكبر من منافعها المباشرة. وفي الموضوع الثالث أشير إلى أن منظمة الخليج للاستشارات الصناعية قد عرضت في ورشة العمل التي عقدتها هذا الشهر، قد بحثت في توصية لجنة التعاون الصناعي لدول المجلس بإعداد استراتيجية موحدة جديدة للتنمية الصناعية لدول المجلس. والحقيقة أن موضوع إعداد استراتيجية موحدة لدول المجلس، ثم الإلتزام بها بعد ذلك، يبدو أمراً ليس بالهين. وكما قال سعادة الأستاذ عبدالعزيز العقيل الأمين العام للمنظمة في كلمته الافتتاحية لورشة العمل، فإن دول المجلس قد عرفت موضوع الاستراتيجية الصناعية الموحدة منذ العام 1985، وتبع ذلك إصدار نسخة معدلة ومطورة من الاستراتيجية في عام 1998. ورغم أن هذه الأخيرة قد حفزت بعض دول المجلس على تبني استراتيجيات وطنية كما حدث في الكويت عام 1999،والسعودية عام 2008، والإمارات في الوقت الراهن، ورغم أن عمل لجنة التعاون الصناعي قد أسهم في تنشيط أوجه ومجالات التنسيق والتعاون الصناعي بين دول المجلس، إلا أن من الواضح أن الدول الأعضاء لا تزال تتحرك في مجال الصناعة وفقاً لمصالحها الخاصة ورؤاها الوطنية. وقد عكست مرئيات الدول الأعضاء التي أوجزها الدكتور القرعان-مدير إدارة الدراسات والسياسات الصناعية بالمنظمة- لورشة العمل،مدى التباين في متطلبات كل دولة، فيما يتعلق بالنصوص والمواد المطلوب تضمينها في الاستراتيجية الصناعية الموحدة. وبالنظر إلى أهمية موضوع الاستراتيجية الصناعية الموحدة، فإنني أعدبالعودة لها في مقال آخر لاستكمال الحديث عنها وللتعرف على الرؤى المختلفة بشأنها ومدى إمكانية التوفيق بينها وتحقيقها.
ابق على اطلاع بآخر المستجدات.. تابعنا على تويتر
تابِع