منافسات "كأس العالم" أصبحت بمنزلة عرس أممي يتكرر كل أربعة أعوام. تنسى خلاله شعوب الأرض خلافاتها، وتستبدله بجو من الفرح والتواصل، لا يقارن بأجواء الكآبة والإحباط التي تسببها مكائد السياسة، وعزلة كورونا، وتداعيات حرب أوكرانيا.
كـتبت هذا المقال بعد أن طرحت على نفسي هذا السؤال:
لماذا أحب كأس العالم وأنـا الذي لا أتابع حتى الدوري المحلي؟
اكتشفت أن متابعتي هذه المناسبة لا تعود فقط لأنها قمة المنافسات العالمية، بـل لوجود معان راقية في التقاء المنتخبات الوطنية ذاتها. اكتشفت أنني أحب كأس العالم، لأنه يجمع أمم الأرض ضمن مناسبة سلمية لا قتل فيها ولا دمار. لأنه يلبي رغـبتنا البدائية في الغلبة والتفوق دون أن يضر فعلا بالطرف المهزوم. لأنه يمنح البشر فرصة التعارف والالتقاء دون الحاجة إلى لغة مشتركة غير قوانين كرة القدم. لأنه ينهي "ولو مؤقتا" مظاهر التناحر الوطني والعقدي ويستبدلها بمظاهر التسامح والمحبة. لأنه المناسبة الوحيدة التي تلتقي فيها دول وشعوب تفصل بينها محيطات شاسعة ومسافات جغرافية هائلة، "فأين يمكن أن تلتقي قـطر والإكوادور، والسعودية والأرجنتين، وفرنسا وأستراليا، إلا في كأس العالم 2022"؟
أيضا أحب كأس العالم، لأنه يـظهر الوجه الراقي والجميل للشعوب والثقافات العالمية. فـفي كأس العالم الأخيرة "في روسيا" قدمت الجماهير اليابانية دروسا في النظافة والشعور بالمسؤولية وعدم المغادرة قبل تنظيف المدرجات. أما الجماهير الكولومبية فكانت توزع الورد وترفع أعلام الدول التي تلعـب ضدها قبل كل مباراة. حتى الروس "الذي عانيت جلافتهم في رحلة سابقة"، أصبحوا لطفاء ومبتسمين ولا يترددون في خدمة الجماهير التي تزور بلادهم.
من جهة أخرى، لا ننسى أن 102 لاعـب مسلم أسهموا في تعديل النظرة إلى الإسلام في كأس العالم الماضية، "حين كانت مذابح داعش على أشدها" ولا يزالون يسهمون في إظهار الوجه الإيجابي للمسلمين. اللاعبون المسلمون في المنتخبات الفرنسية والألمانية والبلجيكية لا يزالون يتحملون العـبء الأكبر، ونجحوا حتى الآن في الحد من مشاعر العنصرية وكـره الديانات الأخرى في أوطانهم.
باختصار شديد أحب كأس العالم، لأن التنافس الرياضي الشريف قادر على التقريب بين الشعوب والقلوب والأفكار والمعتقدات. يفعل ذلك دون انتصارات حربية كاذبة، أو خسائر بشرية فادحة، أو التسبب في مآس وأحقاد إنسانية يعجز عن محوها التاريخ.
نقلا عن الاقتصادية