التوترات الإقليمية التي تعصف بالمنطقة، بدءا من ثورات دول الربيع العربي ومرورا بالحرب الإجرامية التي يشنها النظام السوري على شعبه، وانتهاء بالتهديد المستمر من نظام الملالي في طهران، كانت ولا تزال تشكل ضغطا متواصلا على أمن دول الخليج العربي واقتصاداتها. ولكن ماذا عن تأثيرات هذه المعطيات على شركات القطاع الخاص، العامة والخاصة، في السعودية وباقي دول الخليج ؟
أعترف بداية بأن المعلومات الموثقة في هذا المجال شبه معدومة، وتحليلات الاقتصاديين وبيوت الاستشارات الإقليمية تخجل من التطرق لهذا الموضوع بشكل غريب، ولكن الأكيد أن الشركات الخليجية التي توسعت في الاستثمار في الدول العربية التي شهدت أو تشهد توترات سياسية أو عسكرية فقدت جزءا كبيرا من استثماراتها نتيجة الفقد الكامل لأنشطتها الاستثمارية، أو بسبب انهيار أسعار صرف عملات تلك البلدان، أو بسبب تغير قوانين الاستثمار بعد تغير الحكومات.
فالشركات التي استثمرت في دول الربيع العربي: تونس، مصر، ليبيا، اليمن، وسوريا باغتتها تلك التغيرات المتسارعة في الأحداث السياسية، خصوصا وأنها جاءت مباشرة بعد أزمة مالية عالمية طاحنة أثرت على ربحية عدد غير قليل من الشركات السعودية والخليجية. هذه الدول شكلت ولا تزال درجة مخاطرة عالية جدا في الاستثمار نتيجة عدم استقرار الأوضاع فيها بشكل كامل، فيما تمثل الحالة السورية نموذجا للخسارة الكاملة لاستثمارات الشركات الخليجية .
تأتي في الدرجة الثانية دول أصبحت فيها الاستثمارات الخليجية محل شك في جدواها نتيجة عدم وضوح الرؤية السياسية، وتأتي في مقدمة دول هذه الفئة السودان، ثم لبنان، وبشكل أقل الجزائر. أما الفئة الأخيرة فهي لدول تشهد اضطرابات سياسية ليست بالخطيرة ولكنها أثرت وتؤثر بشكل كبير على البيئة الاستثمارية فيها كالأردن، فالمغرب، ثم البحرين، فالكويت مؤخرا.
لماذا إذا لم نسمع عن انهيار شركات سعودية نتيجة التوترات الإقليمية؟ السبب بسيط، فالشركات السعودية بالذات تنقسم إلى فئتين في تخطيطها الاستراتيجي الاستثماري. الفئة الأولى اختارت أن تستثمر في السوق المحلي أولا، وإن توسعت فعلى استحياء في دول الخليج، وهذه الشركات لم تعان أبدا من الأوضاع، بل إن أغلبها استفاد من الزيادات المعتبرة في الإنفاق الحكومي المحلي. أما الفئة الثانية من الشركات فهي تلك التي توسعت في استثماراتها عربيا وعالميا وركزت على أسواق الشرق الأوسط، ولكن عملياتها في الأسواق السعودية والخليجية حمتها من الانكشاف أو «غطت» جزءا كبيرا من خسائرها في الدول التي شهدت توترات سياسية، فيما ساعدها أيضا تعافي أسواق المال العالمية من خسائر أكبر في محافظها الاستثمارية.
يبقى السؤال المشروع والذي لم أجد له إجابة شافية بعد، أين وزراء التجارة والمال الخليجيون من حماية الاستثمارات الخليجية في دول الربيع العربي والدول التي تشهد توترات سياسية؟ هل نحتاج إلى انهيارات متعددة لشركاتنا حتى يقوموا بواجبهم ويستبقوا الأحداث ؟