وصف محلل اقتصادي الاقتصاد الإيراني بأنه في حالة تفتت تحت وقع العقوبات، وقال: «الفائض الذي عاشته إيران في حسابها الحالي لمدة 13 عاما، بالإضافة إلى فائض مالي في ميزانية العام الماضي، بلغ نحو 7.8% من الناتج المحلي، وبلغت الديون حدها الأدنى بنسبة 6.6% من الناتج المحلي، إلا أن ذلك بدأ بالتبخر خلال أشهر فقط».
ويأتي هذا التفتت بسبب سريان العقوبات النفطية التي فرضتها الولايات المتحدة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي منذ الأول من يوليو (تموز) الماضي، إذ خسرت إيران ما يقارب من الـ62% من قدراتها النفطية، بينما بلغ سقف الصادرات النفطية الإيرانية خلال أكتوبر (تشرين الأول) 800 ألف برميل يوميا فقط.
وأكد تركي الحقيل، وهو محلل اقتصادي سعودي مقيم بواشنطن، إن العمود الفقري للاقتصاد الإيراني النفط، مضيفا: «إن هذا المورد الرئيس تراجعت صادراته بشكل كبير بسبب العقوبات، حيث إن الحصة الإيرانية في سوق النفط العالمية التي تبلغ نحو 2.3 مليون برميل، قد تضررت بشدة هذا العام جراء العقوبات الاقتصادية الغربية المفروضة بسبب البرنامج النووي الإيراني».
هذا النقص، بحسب الحقيل، يتسبب في فقدان نحو 41% من الإيرادات النفطية بشكل مباشر، وإذا أضيفت له عوامل أخرى، مثل انهيار العملة، ووقف التحويلات المالية بسبب العقوبات المالية، فإن الوضع يصبح صعبا أمام صناع القرار الإيراني، مبينا أن ملامح الانهيار الاقتصادي بدأت منذ بداية الربع الثاني من العام الحالي.
وبدأت العوارض المالية غير السارة تظهر على التومان (الريال الإيراني)، حيث تعمقت خسائره أكثر، ورغم المحاولات الحكومية للحد من نزيفه المستمر، فإن كل هذه المحاولات أتت بنتائج عكسية، ليخسر في غضون سبعة أشهر 78% من قيمته أمام الدولار.
ومنذ مطلع أكتوبر الحالي، سجلت العملة الإيرانية مستويات قياسية جديدة، وذلك في ظل نقص حاد من معروض العملات الأجنبية والعملة الصعبة على وجه الدقة في السوق الإيرانية، مما دفع الحكومة للتدخل للحد من الانهيار المتواصل.
ويضيف الحقيل: «وصول سعر صرف التومان مقابل الدولار إلى أسعار قياسية، أوجد أربعة أسعار للصرف، كلها تنبئ بمستقبل مجهول للعملة وبالتالي للاقتصاد الإيراني»، ويضيف: «كان آخر هذه المحاولات افتتاح الحكومة مركز صرف جديدا بداية الشهر الحالي، كان الهدف منه تحقيق الاستقرار للتومان، من خلال الدعم الحكومي للعملة بأسعار أقل من سعر الصرف في السوق والبنوك التجارية وأيضا السوق السوداء».
ويصف الحقيل المحاولات الحكومية لوقف نزيف العملة، عبر تقديم الدولارات للمستوردين، بأنها «خلقت أثرا عكسيا في ظل الفوضى في النظام المالي الإيراني وعدم القدرة على الرقابة، فالكل يود الحصول على مكاسب إضافية فوق نسبة سعر الصرف، من ضمنهم العاملون في هذا المركز الجديد». وفي الواقع، تسبب التدهور المستمر في سعر التومان أمام الدولار الأميركي واليورو في زيادة نسب التضخم ووصولها إلى 23.4% حسب البنك المركزي الإيراني، هنا يقول الحقيل إنه يعتقد أن نسبة التضخم تفوق 28%، مشيرا إلى ارتفاع أسعار الغذاء هذه السنة في إيران بشكل كبير أكثر من 55%، طبقا لبيانات رسمية إيرانية. وقال: «إن الانهيار في العملة أدى بالضرورة إلى زيادة موجة فقد الوظائف، مما أثار مخاوف العائلات الإيرانية وخروجها للمظاهرات، بسبب أن المعاملات التجارية أصبحت شبه مستحيلة».
وتأتي العقوبات النفطية، التي تستهدف مصدر الدخل الرئيس للنظام الإيراني والتي تشكل نحو 78% من إجمالي الإيرادات الحكومية، عقب إجراءات لفرض حصار مالي في مارس (آذار) الماضي، تمثل في طرد البنك المركزي الإيراني ونحو 38 بنكا تجاريا إيرانيا من نظام السويفت، وهو نظام الاتصالات السلكية واللاسلكية بين البنوك العالمية، ووصفت هذه الخطوة بأنها إغلاق لقنوات التدفقات المالية إلى إيران.
وقال الحقيل: «مع هذا الإجراء، لم يعد باستطاعة البنك المركزي الإيراني أو مصارفه التجارية إجراء أي تحويلات مالية خارجية، أو تستقبل أي مدفوعات مالية على الصعيد الدولي، مما كان له تأثير مباشر في السيولة الإيرانية من العملات الأجنبية، التي تناقصت بأكثر من 38% منذ بداية هذا العام».
وأضاف: «هذا الإجراء كان موجعا للاقتصاد الإيراني الذي خبر العقوبات والحصار على مدى الثلاثة عقود ونصف، لكن الحصار المالي أفقده خلال الربعين الثاني والثالث من العام الحالي 2012 أكثر من ثلث الاحتياطيات النقدية من العملة الأجنبية التي كانت عدته للحد من أثر العقوبات، يقدرها صندوق النقد الدولي بنحو 106 مليارات دولار».
وزاد: «الأيام المقبلة لا تحمل الكثير من الأخبار الجيدة للإيرانيين، فهناك حزمة عقوبات جديدة تستهدف الغاز الإيراني، لكن اليونان تعرقل المسعى الأوروبي على الأقل في الفترة الراهنة، ويوم أول من أمس فرضت دول الاتحاد الأوروبي شريحة جديدة من الشركات طالتها العقوبات، بلغت 34 شركة إيرانية تعمل في مجالات الطاقة، والصناعة والشحن والنقل والسفريات».
وقال الحقيل: «لدى إيران بعض الحلول، لكنها مسكنات مؤقتة لن تصمد في وجه العقوبات الخانقة، فالبنك المركزي الإيراني لديه احتياطيات من العملات الأجنبية كافية لتغطية قرابة 7 أشهر من الواردات، لكن النزيف في الاحتياطيات كان أكبر من المتوقع».
وتابع: «طبقا لصندوق النقد الدولي، فإن إجمالي حجم الاحتياطيات الرسمية من النقد الأجنبي لدى إيران بلغ 106 مليارات دولار نهاية العام الماضي، أي قبل الانخفاضات الحادة بنسبة 38% كما ذكر، وتشمل الاحتياطيات نحو 70 مليارا من العملات الصعبة و30 مليار دولار في حسابات مصرفية خارجية، إضافة إلى 900 طن من الذهب إلى نهاية عام 2011».
ويعتقد الحقيل أن النظام الإيراني يخوض معركة عض الأصابع لكن من طرف واحد، وقال: «فبعد خسارة النظام الإيراني لحرب أسعار النفط، واستقرار الأسعار في السوق العالمية، وعدم تأثر السوق النفطية بالعقوبات على الخام الإيراني، جعلت مسألة الانهيار مسألة وقت فقط، فالنظام خسر منذ بداية الربع الثاني معظم قنواته المالية، وبلغ عدد البنوك الإيرانية التي تم استبعادها من نظام السويفت 42 بنكا».
ويشير الحقيل إلى أن إيران سجلت فائضا في حسابها الحالي لمدة 13 عاما، بالإضافة إلى فائض مالي في ميزانية 2011 نحو 7.8% من الناتج المحلي الإجمالي، كذلك وصلت الديون الخارجية والداخلية لإيران إلى الحد الأدنى بحدود 6.6% من الناتج المحلي الإجمالي، لكن ذلك سيضمحل تحت وقع العقوبات القاسية التي لا قبل لإيران اقتصاديا بها، فلم يمض على بدء سريان العقوبات النفطية إلا أقل من 4 أشهر، بينما عمر العقوبات المالية 7 أشهر فقط، لكن بوادر الانهيار الاقتصادي، كما يعتقد الحقيل، قد بدأت.