قطاع المياه والكهرباء في المملكة: لا فات الفوت ماينفع الصوت

03/12/2012 2
تركى الحقيل

السعودية تحتاج إلى استثمار تريليون ريال في قطاع الماء والكهرباء لتتمكّن من توسيع الطاقة الإنتاجية لتلبية احتياجات السكان

 لا شك أنّ مشروعات المياه والكهرباء تمثّل أولوية قصوى بالنسبة للحكومة السعودية وتشير أكثر التقديرات تحفظاً إلى أنّ توسيع قطاع الماء والكهرباء في السعودية بالوتيرة اللازمة لتمكينه من تلبية الطلب المتنامي عليه خلال العقد الحالي والقادم، سيتطلّب استثمارات بمئات المليارات من الريالات. ففي الواقع، هناك حاجة ماسّة لاستثمار مبالغ ضخمة في البنى التحتية لقطاع الماء والكهرباء في هذا البلد الذي يتجاوز فيه معدّل نمو الطلب على الكهرباء، الذي يبلغ ذروته في فصل الصيف، معدّل نمو إمدادات الطاقة الكهربائية في العديد من البلدان؛ وتُعتبر المملكة أيضاً من أفقر دول العالم بمصادر المياه الطبيعية المتجدّدة.

وفي نفس الوقت ظلّت الاستثمارات العامّة والخاصّة في هذيْن القطاعيْن غير كافية ومتواضعة خلال العقد الماضي. لذا، لا بد من معالجة هذه المشكلة خلال السنوات القادمة لتلبية الطلب المحلي على الكهرباء والمياه الذي ينمو بأكثر من 8.8% سنوياً وقد يرتفع الى اكثر من الضعفين في العقدين القادمين مما سوف يزيد من استهلاكنا المحلي من النفط الذي قد يصل الى 7.8 ملايين برميل من النفط المكافئ في نهاية العقد القادم اذا استمر بنا الحال كما هو عليه اليوم وفي السابق.

تُفيد تقديراتي بأنّ المملكة تحتاج إلى استثمار تريليون ريال سعودي، على الأقل، في قطاع الماء والكهرباء الى منتصف العقد القادم لكي تتمكّن من توسيع الطاقة الانتاجية، بالوتيرة اللازمة لتلبية احتياجات سكانها الذين تزايدوا مؤخراً بنحو 2.5% سنوياً؛ وقد يستمرون في التزايد بمعدّل سنوي يناهز الاثنين في المائة. كما أنّ الطلب على الكهرباء في المملكة يرتفع بفعل النمو المتسارع لقاعدتها الصناعية.

دور القطاع الحكومي

وهنا أشير على انه لا ينبغي على القطاع الحكومي أنْ يموّل بمفرده جميع مشروعات قطاع الماء والكهرباء؛ بل يتعيّن على القطاع الخاصّ أنْ يضطلعوا بدور رئيسي في هذه العملية عبر بناء شراكات استراتيجية بين القطاعيْن العامّ والخاصّ. إذ لا ينبغي النظر إلى الفوائض المالية للمملكة كمصدر أبدي لا ينضب.

والى منتصف العقد القادم، تتوقّع وزارة المياه والكهرباء أنْ تستثمر 300 مليار ريال سعودي في توليد الكهرباء و200 مليار ريال سعودي في مشروعات تحلية مياه البحر، بالإضافة إلى استثمار 200 مليار ريال سعودي في قطاع الصرف الصحي. أرى أنّ هذا الاستثمار البالغ 700 مليار ريال سعودي يُمثّل، بالتأكيد، خطوة مهمة في الاتجاه الصّحيح ولكنْ ينبغي ايضاً التركيز التام على الطاقات المتجددة بكافة انواعها وحسب جدواها الاقتصادية. ونظراً إلى سطوع الشمس في المملكة طوال السنة، بإمكانها إطلاق برنامج واسع لاستغلال الطاقة الشمسية ولكنّ هذه الفكرة لن تكون مجدية، إلا إذا ترافقت مع تحوّلات جوهرية في الثقافة والوعي والسلوكيّات الاستهلاكية والا سوف يتطلب زيادة حجم الانفاق على المياه والكهرباء بنحو الثلث، على الأقل، لكي تتمكن المملكة من تلبية الطلب المحلي بارتياح.

وفي العام الماضي، بلغ نصيب القطاع السكني من إجمالي استهلاك الكهرباء 55.7% تلاها قطاع الصناعة بنسبة 18.9%، ثم المرافق الحكومية بنسبة 13.5% فالقطاع التجاري بنسبة 11.9%، طبقاً لهيئة تنظيم الكهرباء والإنتاج المزدوج. هذا، وأتوقع أنْ يصل عدد سكان المملكة إلى حوالي اثنين وثلاثين مليون نسمة بحلول عام 2020، ما سيفرض ضغوطاً إضافية على شبكة الكهرباء السعودية فرض تطبيق معايير معمارية عالية على الوحدات السكنية عاملاً حاسماً. ففي الوقت الحالي، تُعاني حوالي 70% من الوحدات السكنية في المملكة من سوء العزل الحراري الأمر الذي يُجهد شبكة توزيع الكهرباء بسبب استخدام المكيّفات بشكل مكثّف وكفاءة هذه المكيّفات تساوي ثلث كفاءة تلك المستخدمة في الاقتصادات المتقدمة حيث انّ 65% من الاستهلاك المنزلي للكهرباء في المملكة يذهب إلى تشغيل هذه المكيّفات.

وتيرة نمو الطلب المحلي

صحيحٌ أنّ المملكة وسّعت قطاع الماء والكهرباء خلال السنوات الأخيرة لكنّ وتيرة نمو الطلب المحلي على الماء والكهرباء، فاقت وتيرة التوسيع الشقّيّ لهذا القطاع. ففي الوقت الذي قفز فيه الطلب الأقصى على الكهرباء بنحو 87% بين عاميّ 2001 و2011، نمت قدرة المملكة على توليد الكهرباء بنسبة 73% فقط، خلال نفس الفترة. كما أنّ مصادر المياه تعرّضت لضغوط متزايدة خلال العقد الماضي حيث انخفض نصيب الفرد من إجمالي مخزون المياه بنحو 27%، وذلك بسبب الارتفاع الكبير في معدّلات استهلاك الفرد والزراعة والصناعة للمياه.

وفي الحقيقة، واجهت المملكة أيضاً تحديات كبيرة في عملية توفير كميات الغاز الطبيعي الكافية لتغذية قطاعيّ الكهرباء والصناعات البتروكيمياوية بسبب نموهما بوتيرة عالية. وللتغلب على هذه التحديات، وضعت الحكومة السعودية خططاً ترمي، بالدرجة الأولى، إلى تطوير إنتاج البلاد من الغاز لتلبية الطلب المحلي عليه الذي ينمو بنحو 7% سنوياً. وتسعى المملكة لزيادة إمدادات الغاز السعودي بنسبة 30%، لكي تصل إلى ثمانية مليارات قدم مكعّب يومياً في غضون السنوات الثلاث المقبلة.

إنّ حاجة قطاعيّ الماء والكهرباء لتحسينات ملحّة وإصلاحات جوهرية حقيقة لا يرقى إليها شك. فقد تراجع نصيب الفرد السعودي من إجمالي مخزون المياه المتجدّدة بوتيرة متسارعة خلال العقديْن الماضيين نتيجةً لمعدّلات النمو السكاني المرتفعة، والضغط المتزايد لقطاعيّ الصناعة والزراعة على مصادر المياه المحلية. إذ تستهلك الزراعة وحدها 84% من إجمالي استهلاك المملكة من المياه، طبقاً للتقرير السنوي الأخير لمؤسسة النقد العربي السعودي. وهذه السياسة، تحديداً، هي التي استنفذت مصادر المياه الجوفيّة غير المتجدّدة في الثمانينيات الميلادية.

مراجعة التعريفات

يجب على الحكومة السعودية مراجعة التعريفات لدعم استهلاك الموارد بقدْر أكبر من المسؤولية. فقد أدّت تعريفات الكهرباء والماء المنخفضة وبعض الحوافز المشوّهة، إلى تشجيع الأفراد والشركات على الافراط في استهلاك وهدر الطاقة الكهربائية والموارد المائيّة. لذا، لا بدّ من تغيير هذا الواقع عبر الاسراع في اتخاذ الاجراءات اللازمة لترشيد الاستهلاك.

فبين عاميّ 1980 و2010، تضاعف ثلاث مرات حجمُ استهلاك المملكة من مياه الري بسبب مسعاها لتطوير الزراعة في المناطق الصحراوية. وبلغ استهلاك المملكة من مياه الري خلال تلك الفترة حوالي 22 كيلومترا مكعّبا، طبقاً لتقديرات منظمة الأغذية والزراعة التابع للأمم المتحدة (الفاو).

لكنّ هذه السياسة انطوت على تداعيات خطيرة. فقد انخفض نصيب الفرد السعودي من إجمالي مصادر المياه المحلية الى الثلث تقريبا بين عاميّ 1992 و2010، طبقاً لبيانات منظّمة الفاو. وأشارت هذه المنظمة أيضاً إلى أنّ حجم استهلاك المياه السطحية والجوفيّة وصل إلى 988% من إجمالي مصادر المياه المتجدّدة في عام 2010. ويمثّل مستوى استهلاك المياه مؤشراً للضغط المفروض على مصادر المياه المتجدّدة كما يشير إلى مدى قدرة أي بلد على الاعتماد على مصادره المائية المتجدّدة.

المملكة من أفقر الدول بمصادر

المياه المتجدّدة

وترى منظّمة الفاو أنّ استهلاك 25% من مصادر المياه المتجدّدة يُمثّل معدّلاً مرتفعاً كما تقترح اللجوء إلى مصادر مائية غير تقليدية عندما يزيد الاستهلاك عن نسبة 100% من مصادر المياه المحلية المتجدّدة. وعلى سبيل المقارنة، تشير بيانات منظمة الفاو إلى أنّ كندا الغنية بالمياه تستهلك 1.58% من مصادرها المائية المتجدّدة، بينما تبلغ هذه النسبة مستوى عالياً جدّاً قدره 1867% في الإمارات العربية المتحدة.

وحتى بالمعايير الاقليمية، تُعدّ المملكة العربية السعودية والدول الخليجية المصدّرة للنفط من أفقر الدول بمصادر المياه المتجدّدة. إذ يبلغ نصيب الفرد السعودي السنوي من المياه المتجدّدة حوالي 95.23 مترا مكعّبا فقط، أي أقل من سُبع نصيب الفرد المصري وحوالي عُشر نصيب الفرد اللبناني من هذه المياه. وبسبب النمو السكاني المتسارع، قد تشهد منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا انخافضاً حادّاً قدره 50% في نصيب الفرد من المياه بحلول عام 2050، طبقاً لتقديرات البنك الدولي، وهو ما سيؤدّي إلى تكرار حالات الجفاف في مختلف أنحاء المنطقة.

وتوشك مصادر المياه الجوفيّة العميقة التي تمتلكها المملكة حالياً على النضوب؛ إذ تشير بعض التقديرات إلى أنّها لن تدوم لأكثر من خمسة وعشرين سنة. وطبقاً لدراسة سابقة نشرها مجلس الأعمال السعودي الأمريكي، فإنّ المياه الجوفية تمثّل 80% من إمدادات المياه في المملكة، بينما تمثّل المياه السطحية المتجدّدة 14% من هذه الامدادات وتمثل تحلية مياه البحر نسبة 6% منها.

الاحتياطيات المائية

وتُظهر قاعدة البيانات المائية لمنظّمة الفاو أنّ الاحتياطيات المائية المؤكّدة للمملكة العربية السعودية تبلغ 338 كيلومترا مكعّبا، بالإضافة لاحتياطيات ثانوية محتملة تُقدّر بنحو 500 كيلومتر مكعّب. وتقول منظمة الفاو أنّ مصادر المياه الجوفيّة السعودية تتركّز في الآبار الارتوازية القديمة التي تقع في الأجزاء الشرقية والوسطى للمملكة وتبلغ قدرتها الطبيعية على التجدّد، حوالي 3.5 ملايين متر مكعّب يومياً فقط.

ونظراً إلى النمو الصافي المتوقع في مستوى الطلب على المياه خلال العقد القادم، يبدو من الطبيعي أنْ تركّز الحكومة السعودية منذ الآن على سبل تعزيز إمدادات المياه، بالإضافة إلى الاهتمام بتحديث البنى التحتية المائية القائمة واستغلال الطاقة الشمسية لتحلية المياه. ففي إطار خطتها الخمسية الاخيرة، التزمت الحكومة بالابقاء على مستويات مرتفعة من الانفاق العام لتطوير البنى التحتية، في المقام الأول. إذ فاقت اعتمادات ميزانية عام 2012، للمياه والزراعة والبنى التحتية اكثر من الضعف ما خُصص لها في ميزانية عام 2005، كما ارتفعت نسبة هذه الاعتمادات من مجمل الميزانية العامة من 6.9% إلى 8.3% خلال نفس الفترة.

نمت صناعة تحلية مياه البحر بوتيرة متسارعة باعتبارها إحدى وسائل تلبية الطلب المحلي المتزايد على المياه. وأنفقت دول الشرق الأوسط، لا سيما دول الخليج، مليارات الدولارات على بناء وتوسيع طاقاتها المحلية لإنتاج مياه التحلية. ويبلغ نصيب هذه المنطقة حالياً حوالي 60% من إجمالي الانتاج العالمي من مياه التحلية، بينما يبلغ نصيب المملكة وحدها نحو 30% من هذا الانتاج؛ وهذه أعلى نسبة في العالم.

في الوقت الذي تسعى فيه الحكومة والمستثمرون لتطوير بعض المشروعات الرامية إلى تعزيز القدرة الانتاجية لتحلية المياه ، لا بدّ من إطلاق مبادرات أخرى لتحسين البنية التحتية القائمة من أجل تقليص الهدر. فبسبب افتقار البلاد إلى مصادر المياه العذبة، يُنقل الكثير من المياه عبر شبكة تضم أكثر من أربعة آلاف كيلومتر من الأنابيب. لكنّ المملكلة تخسر من 20% إلى 25% من مياهها بسبب التسرّبات الناجمة عن البنى التحتية القديمة والمتهالكة.

كما أنّ التعرفة المنخفضة للماء التي تبلغ حوالي 0.10 ريال سعودي للمتر المكعّب فقط لا تدعم جهود الحفاظ على نظام إنتاج وتوزيع المياه. لذا، يجب أنْ ترفع المملكة مستوى هذه التعرفة بشكل كبير خلال السنوات المقبلة.

وتحاول المملكة رفع الكفاءة في استخدام الطاقة لكنّ هذا المسعى يتطلّب الكثير من العمل. إذ ينبغي تغيير طريقة تفكير المستهلكين والمنتجين، على حدّ سواء، كما ينبغي إعادة النظر في الحوافز السعريّة لتوفير مؤشّرات السوق المناسبة. وفي حال تنفيذ هذه الخطوات بالشكل الصحيح، سيُعدّل المستهلكون سلوكهم وفق الحوافز السعرية وسيعزّزون إدراكهم لأهمية الطاقة عندما تُرفع أسعارها بشكل تدريجي.

كما أنّ تعزيز الكفاءة في استهلاك الطاقة سيخفّف عبء الاستهلاك المحلي للطاقة الذي ارتفع بسرعة كبيرة خلال السنوات الأخيرة، وحدّ من قدرة أكبر منتج للنفط في العالم على تصدير النفط إلى الخارج. ومن المتوقع أن ينمو الطلب المحلي السعودي بواقع 3.86 مليون برميل من النفط الخام يومياً و 4.94 ملايين برميل من النفط المكافئ يويماً في عام 2015