أثبتت الصين أهميتها مرة أخرى، إذ أفضت محاولة أخرى للحد من الإقراض إلى بيع السلع والتحول إلى استخدام السندات الحكومية الآمنة والدولار. وقد انخفضت أسعار السلع إلى أدنى مستوياتها في هذا العام، حيث فرضت الصين تدابير جديدة لتهدئة نموها الجامح، وصدرت تعليمات للمصارف تقضي بإيقاف الإقراض مؤقتاً بغية خفض مستويات النشاط الكبيرة التي ظهرت خلال الأسابيع القليلة الأولى من عام 2010. وفي ضوء أهمية اقتصاد الصين والاقتصاديات الناشئة الأخرى في دفع أسعار السلع، خَلّفَ هذا الإجراء أثراً عكسياً على الأسواق بدءً من النفط ووصولاً بالمعادن.
هذا وقد شهد مؤشر مكتب أبحاث السلع (CRB) ارتفاعاً بواقع 4 بالمئة في التداول خلال الأسبوع الأول من يناير، غير أنه ما لبث أن عانى صعوبات منذ ذلك الحين حتى تراجع هذا الأسبوع إلى مستوياته في ديسمبر 2009، مما فرض ضغوطاً كبيرةً على الكثير من المراكز الطويلة التي تم إرساءها حديثاً. ومن الناحية الفنية، يتهدد الاتجاه الصاعد منذ مارس 2009 خطر الانكسار. ومن ثم، ستصبح الأيام القليلة القادمة بالغة الأهمية في تحديد اتجاه السلع على المدى القريب.
وثمة أخبار سيئة أخرى مفادها استعادة الدولار لقوته لاسيما في مقابل اليورو الذي تراجع إلى أدنى مستوياته خلال خمسة أشهر في ظل المخاوف المتواصلة الناشئة عن أزمات اليونان المالية. علاوة على ذلك، تحولت مراكز المضاربة مؤخراً إلى تفضيلها الشديد لمراكز الدولار الضعيفة، مما فرض إجراء معاملات بيع كثيرة سعياً للحد من الخسائر.
ومن الممكن أن تتمثل نقطة التركيز التالية في أسواق الأسهم، ذلك أن إصلاح القطاع المصرفي الذي اقترحه الرئيس الأمريكي - أوباما- عانى من تراجع أسواق الأسهم إلى مستويات الدعم السابقة. والواقع أن ثمة خمس محاولات باءت بالفشل لتحطيم مستوى المقاومة للدولار الثابت على سعر 1150 دولار أمريكي حسب مؤشر إس آند بي 500، وتلت هذه المحاولات انخفاض إلى مستوى دعم سابق بسعر 1.130 دولار أمريكي. هذا وقد أتاح هذا الوضع احتمال التراجع إلى مستوى 1.085 دولار أمريكي.
كما انخفض سعر تسليم النفط الخام في مارس إلى 75.6 دولار، متراجعاً بذلك بنسبة 10.50 % عن المستويات العالية التي سادت في الآونة الأخيرة، نتيجة لأحد أهم العوامل التي تم كذرها مسبقاً، ألا وهو مركز المضاربة الطويل في النفط الخام الذي حقق ارتفاعاً برقم قياسي جديد، مما تسبب قيام السوق المعرضة للخسارة بإيقاف البيع، فيما واصلت منظمة الدول المصدرة للنفط إخلالها بالالتزام بحصص الإنتاج المتفق عليها.
وباجتماع كافة هذه العوامل كان من المحتم أن تنخفض أسعار الطاقة، لكن مع الأخذ في الاعتبار بحجم الأخبار السيئة التي تم تداولها، توقف انخفاض الأسعار إلى قدر معقول. علاوة على ذلك، يبدو أن استمرار التداول في حدود 80 دولار أمريكي هو نمط التداول المرجح استمراره. أما في الوقت الحالي فيتضح جلياً عدم استعداد أسواق السلع للانفصال عن الدولار، بيد أنه يجب مراقبة التحركات في تلك السوق جيداً.
ومن الناحية الفنية، تراوح سعر النفط الخام خلال فترة اقتربت من شهر في نطاق واسع بين 73 إلى 88 دولار أمريكي في قناة تتجه إلى أعلى. وحافظ الاتجاه الصاعد على ثباته طوال الشهر. ويوجد دعم إضافي عند سعر 75.25 دولار أمريكي وهو المتوسط المتحرك الذي استمر خلال مائة يوم، بينما ثبت مستوى المقاومة على سعر 77.80 دولار أمريكي، يليه سعر 80.70 دولار أمريكي.
وفضلاً عن ذلك، ارتفع البلاتين مرة أخرى إلى 12 بالمائة هذا الأسبوع قبل أن يتسبب البيع في انخفاضه نتيجة مستويات أسعار الشراء المبالغ فيها. جدير بالذكر أن الارتفاع الكبير الذي شهدناه حتى الآن نتج عن الإطلاق الناجح لصندوق تداول البلاتين في يناير 2008. وسعياً لمواكبة الطلب، قام هذا الصندوق بشراء 195 ألف أوقية من البلاتين خلال فترة قوامها 10 أيام، وهو يماثل عشرة أضعاف الانتاج اليومي العالمي. ويُستخدم البلاتين بصورة رئيسية في صناعة الجواهر والمحولات الحفازة في السيارات، وقد ورد ذكر الصين مرة أخرى باعتبارها سبب شراء البلاتين في ضوء التنبؤات بزيادة أعداد السيارات المستخدمة بنحو 17.2 مليون سيارة جديدة خلال هذا العام. ونتوقع ثبات الدعم في عقد إبريل بسعر 1515 دولار حالياً.
أيضاً، تفاجئ سوق الذهب نتيجة عودة انخفاض الدولار إلى مستوياته المنخفضة التي شهدها في ديسمبر بسعر 1075 دولار أمريكي. هذا وقد توافر مستوى الدعم عند سعر 1086 دولار أمريكي وهو المتوسط المتحرك في اليوم المائة، بزيادة قدرها عن 1075دولار أمريكي والدعم في الاتجاه الرئيسي بسعر 1060 دولار أمريكي. ومازال الذهب يشهد ارتفاعاً في سوق المال كما أن العوامل الرئيسية التي كانت تدفع الذهب مازالت قائمة، بيد أن الدولار تبوأ مركز الصدارة في الوقت الحالي، وهو ما يوجب علينا التزام الحذر بشأن الذهب لمدة الأسابيع القليلة القادمة. هذا، ومن المتوقع أن تحقق عمليات التداول ذات القيمة النسبية، مثل تداولات النسبة بين الذهب والفضة أو الذهب والبلاتينيوم، أداءًا جيداً خلال هذا التصحيح.