يبدو ان خطط التحفيز والتى ضخت بمقتضاها الحكومات مليارات الدولارات خلال انهيار الاسواق قد احدثت ما كنا ننتظره فتوترت الاسواق وتخبطت القرارات. فلم يكد ينتهى الاسبوع الاول من يناير الا ودقت الصين جرس انذارها الاول عندما لاحظ صانعو السياسه النقديه فى الصين ارتفاع نسبه الاقراض بشكل كبير، وكرد فعل سريع تخوفا من فقاعه فى سوق العقارات تحديدا ألجم البنك المركزى الصينى الجميع وفرض زياده الاحتياطيات تخوفا من اى آثار تضخميه وائتمانيه ايضا ولم تمر ساعات الا وخرج اوباما بمذكرته الداعيه الى فرض ضرائب او فوائد على البنوك الخمسين التى استفادت من خطط التحفيز.
لكن الاسواق استوعبت الامر سريعا، ونتيجه لانتظارها نتائج اعمال الشركات للربع الرابع من عام 2009 فانها ابتلعت”لقمه” اوباما غير المستساغه سريعا واستعدت لموسم الافصاحات. لكن الصين عاودت الكره مره اخرى ولكن بوقع اشد وتكثيف اقوى خاصهً بعدما اعلنت يوم الخميس عن نسبه نمو تجاوزت المستهدف لاقتصادها سواءا للربع الاخير من عام2009 او خلال العام كله، فالاقتصاد الصينى حقق نموا بلغ 8.7% خلال عام 2009 ونسبه نمو بلغت 10.7% خلال الربع الاخير من نفس العام، وحتى على مستوى التوظيف الذى استهدف توفير 9 مليون وظيفه، لكن ما تم توفيره فعلا خلال عام 2009 تجاوز 11 مليون وظيفه، وكأن الصين تُسابق نفسها ولا يسابقها او يسبقها احد.
وعلى الرغم من هذه الارقام المتفائله جدا الا ان ما صاحبها من ارتفاع فاق ماهو متوقع لاسعار المستهلكين السنوى خلال ديسمبر الماضى بواقع 1.9% مقابل 0.6% فقط للشهر السابق، جعل ذلك القلق توترا وتشنجاً فارتعدت الصين ومن ثم ارتعد العالم كله، وهى الحقيقه التى يجب تستوعبها الاسواق رغم انفها ،فعندما يشتكى الاقتصاد الصينى من شىء سيحبس العالم انفاسه مخافه تراجع الطلب وبطء التحرك.وكان تصريح رئيس مجلس الوزراء الصينى واضحا بأن مهمه حكومته خلال عام 2010 ستتمثل فى مكافحه التضخم والتحكم فى عمليات الاقراض والقضاء او الحد من جنون المضاربات داخل السوق العقارى.
وقد بدت الحكومه سريعه فى معالجتها للامر فقيًضت الاقراض وطالبت البنوك برفع احتياطياتها بنسب بين 14% الى 16% حسب حجم كل بنك، ولا نشك انها ستترد فى رفع الفائده - رغم صعويه ذلك حاليا- اذا اقتضى الامر، فقاطره الاقتصاد الصينى لا تريد ان تتوقف بعد ان حققت 4.9 تريلون دولار وهو رقم قريب جدا من المستهدف للاقتصاد اليابانى، والذى يعنى ببساطه اننا سنتابع صراعا على المقعد الثانى خلف الولايات المتحده على عرش الاقتصاد العالمى بعد ان كان من نصيب اليابان دائما دون منافسه من احد.
ولم ينته يوم الخميس الماضى دون يُخرج اوباما من جعبته شيئا، وكأننا اعتدنا رؤيه الفعل من الصين ورد الفعل من امريكا، فالرجل قد اشتاط غيظا من المكافآت السخيه التى تعطيها المؤسسات الماليه رغم المعاناه الشديده التى عاشها الاقتصاد وتحملها دافعى الضرائب دون ان يحصلوا على شىء. فجولدمان ساكس على سبيل المثال والذى يعد اكبر شركات الوساطه داخل السوق الامريكى قام بصرف مكافآت بلغت 16.19 مليار دولار لعامليه عن عام 2009 والتى تعد اقل من العام الاسبق بمقدار 510 مليون دولار وعلى الرغم من كون جولدمان ساكس لم يستفد اصلا من اموال التحفيز الا انه من المنطقى ان نتخيل رده فعل الشارع الامريكى الغاضبه تجاه هذا البذخ فى الوقت الذى يعانى فيه الاقتصاد من ويلات الازمه الطاحنه.
لهذا يريد اوباما هذه المره ان يُحجًم ويكبح جماح البنوك التى اطلقت العنان لنفسها وتداولات فى المشتقات وصناديق التحوط وحتى صناديق الاستثمار الخاصه، فالرجل يريد ان يُفسد الالعاب البهلوانيه التى اعتادت البنوك الكبرى على ممارستها بأموال مودعيها بعد ان صارت لعباً صريحا بالنار. ان اوباما يريد الا تتضخم البنوك بشكل يكون معه من السهل انهيارها حيث يرى انه رغم ما عانته الاسواق الا انها تصر على التحرك بنفس الاسلوب القديم المغامر وكأن ما حدث لا يعنيها، وربما كان توقيت خروج اوباما يحمل دلالات واشارات هامه حيث ان المنتدى الاقتصادى العالمى – دافوس- سينعقد قريبا ما بين 27 الى 31 من يناير الجارى، ويريد الرجل ان يمهد الطريق الى اتخاذ خطوات مماثله من جانب الدول الاوروبيه او اخذ مواقف مسانده له، على الرغم من ان بريطانيا على سبيل المثال والتى تعد حليف الولايات المتحده الاول فى اوروبا كانت مخالفه لاوباما فيما ذهب اليه. ترى هل يريد اوباما فرض اجنده جديده على المؤتمر؟ وهو الذى سيتم عقده لمتابعه النظام الاقتصادى والاصلاح المالى العالمى والانتعاش الذى يُعد مؤقتا – حتى الان -؟؟؟
لا نظن ان المشكله تكمن فى فرض اجنده على المؤتمر فما يقوله اوباما وما يريد اقتراحه يندرج تحت قائمه اصلاح النظام المالى والمصرفى، لكن الاشكاليه تكمن فى كون كل دوله لها ظروفها رغم تأثر الجميع بما حدث. فماذا يريد اوباما؟ هل يريد فعلا ان يكبح جماح البنوك التى تركب امواج المخاطره فقط؟ ام هل يريد ان يحد من تحرك رؤس الاموال الى مناطق ابعد من بلاده ؟؟ لان الخطوه القادمه ستكون فرض الضرائب على التعاملات الماليه على نطاق واسع، وهو ما سيعد ضربه موجعه للدول الناشئه التى تتسارع اليها الاموال “مسودات“ اوباما الاصلاحيه جعلت البنوك تترنح بشده فى وول ستريت لدى اغلاقات الجمعه لان ما يريده اوباما سيضر “بالقطط السمان” هناك لذا فالكل بدا وكأنه يتخلص من ادوات المخاطره سريعا وهو ما يُفسر ارتفاع الين اليابانى القوى بعد تهاوى الاسهم ومعظم السلع باعتباره ملاذ آمن وها هو الاضطراب عاد من جديد الى الاسواق والتخمينات ستأخذ حيزا واسعا من الجدال ولن تنتهى وكأن اوباما يتعجل قدوم فبراير قبل الاوان.
وحقيقه فان لارتفاع الين حديث ذو شجون لدى اغلاقات الجمعه ايضا حيث فقد نيكاى اليابانى اكثر من 2.50%باغلاقه عند 10590 كرد فعل منطقى لتهاوى اسهم الشركات اليابانيه حيث تظل ارتفاع قيمه الين اليابانى امام الدولار سييا منطقيا لفقد المنتجات اليابانيه كثيرا من ارباحها المتوقعه وقدراتها التنافسيه داخل السوق العالمى. وعلى الرغم من كون ارباح الشركات الامريكيه والتى افصحت عن نتائجها - حتى الان - تبدو مطمئنه وايجابيه فى مجملها خصوصا بعد انخفاض قيمه مخصصات الخسائر الائتمانيه لدى البنوك المُعلنه، الا ان المخاوف التى اوقد نيرانها اوباما على شاشات التداول و اججها بعنف القيود الصينيه على الاقراض تجعل الجميع متحفزا للمواجهه المرتقبه بين القرارات المُتخذه ورد الفعل المتوقع من الاسواق، فقرار ضخ السيوله داخل الاسواق سنكتشف بمرور الوقت انه كان اسهل بكثير من مواجهه آثار التضخم الناتجه عنه، ربما علينا ألا نتجعل الحكم، لكننا اذا انتظرنا فالاسواق لا تنتظر وهو ما يحدث دائما والله تعالى اعلى واعلم دمتم بخير