هيئة السوق في عيون المستثمر عبر الاستبيان

28/10/2009 0
محمد العنقري

أعلنت هيئة السوق المالية طرحها استبيان تقوم بتنفيذه شركة مونيتور هاوس؛ بقصد الوقوف على تقييم أدائها من جهة المستثمرين بعد مرور أكثر من خمس سنوات على تأسيسها. وتعتبر هذه الخطوة إيجابية إذا ما عرفنا أن أغلب الاستبيانات تقوم بها عادة شركات ومؤسسات القطاع الخاص؛ للوقوف على مدى رضا المستهلك أو المستفيد من منتجاتها وخدماتها، بينما نجد أن الخطوة أتت من جهاز حكومي وإن كان يرتبط بالأفراد بشكل مباشر وينظرون اليه من منظور تجاري بحت، كون الهيئة تشرف على السوق المالية التي يرتبط بها جل المواطنين بشكل عام وكذلك نسبة لا بأس بها من المقيمين،

خصوصاً أن الهيئة لا تحتاج إلى من يعرفها للناس، فهي مرتبطة بأذهانهم بشكل كبير، طالما أن هناك سوقاً مالية يستثمرون ويتعاملون فيها، ولكنها تريد أن تطرق جوانب أكثر حساسية وأهمية لها وهو تقييم ما قدمته لتطوير السوق حسب ما يراه المستثمرون.

وركزت في استبيانها على مرتكزين أساسيين: الاول: اعتقاد الناس لأهداف الهيئة، والآخر المهام المنوطة بها، فكثيراً ما يحصل لغط حول مسؤوليات الهيئة عن بعض الجوانب التي تؤثر في السوق خصوصاً أن هناك جهات عديدة ترتبط بالسوق، فوزارة التجارة مسؤولة عن نظام الشركات والترخيص لها بمزاولة نشاطها ومراقبتها فيما يتعلق بتطبيقها للأنظمة وشروط الترخيص لها، فيما تقوم مؤسسة النقد بالإشراف على القطاع المالي وتؤثر من خلال إشرافها على السياسة النقدية في تنظيم تدفق النقد الذي ينعكس على الاستثمار بشكل عام، وتتداخل المسؤوليات مع جهات أخرى.

وبالتالي ترى الهيئة انه من الضروري الكشف عن حقيقة مفهوم المستثمرين لما هو منوط بها من مسؤوليات ويتضح ذلك من النقاط التي ذكرت في الاستبيان، فهي بمجملها تعبر عن أهداف ومهام الهيئة بشكل دقيق ولكن هل يعرف عموم المتعاملين في السوق ذلك؟ كما تأتي النقطة الأخرى التي ستتباين فيها الآراء هل تقوم الهيئة بدورها كاملاً؟ فقد قامت خلال السنوات الأخيرة التي جاءت عقب التصحيح الكبير الذي حدث بالسوق منذ 2006 خصوصاً بعد تولي الدكتور عبد الرحمن التويجري مهام رئاستها بتفعيل دور الهيئة وإصدار العديد من اللوائح والأنظمة لسد أوجه القصور بنظام السوق، كما قامت بطرح عشرات الشركات للتداول وإعادة هيكلة السوق وتطوير أنظمة التداول، ولعبت دوراً في دعم السياسة النقدية من خلال امتصاص السيولة التي تنامت في السوق، من خلال سوق الطروحات الأولية كما أن الخطوة التي تلت إصدار الأنظمة هو تطبيق ما فيها من خلال العقوبات والجزاءات التي طالت المخالفين لتعليمات التداول والانتقال من ذكر المخالفات إلى التشهير بالأسماء، ثم بدأت تطبق لائحة العقوبات على مجالس الشركات التي تخالف ما يحكمها من أنظمة عملها بخلاف الاستفادة من لوائح الاستحواذ والاندماج، وكذلك إضافة أدوات استثمارية للسوق كالصكوك والسندات وأعلنت عن نيتها إضافة قطاعات جديدة للسوق، وكذلك البحث في إضافة أدوات أخرى للتعامل مع السوق بخلاف عشرات التراخيص لمؤسسات مالية، كل هذا تم في ظرف ثلاث سنوات وتعتبر خطوات تحسب للهيئة كونها أتت في فترة قصيرة.

ولكن تبقى مشكلة مفهوم المستثمر للهيئة مرتبطة بمدى ما يحققه من استثماره في السوق، وكون الغالبية تعاني من خسائر كبيرة جراء السقوط الكبير للسوق خلال السنوات الأخيرة التي أفقدته قرابة 80 في المائة من أعلى نقطة وصلها العام 2006م، وبالتالي قد لا يكون الحكم على مدى رضاه عنها بمستوى منصف يقيم ما تم تحقيقه إلى الآن، بخلاف أنه دائماً ما يرى في قراراتها عاملاً يؤثر سلبياً في السوق على الرغم من أن النقطة الجوهرية التي يجب أن تركز عليها الهيئة بشرح أهدافها أنها لا تصدر قرارات تطويرية تتعلق بمرحلة آنية، بل هي تهدف من خلال ما تعمله لرسم الطريق نحو سوق متكاملة تقترب من محاكاة الأسواق الناضجة مما يعني مفهوم البعد الاستراتيجي بكل قراراتها التي تقرها، بينما قد يرى البعض التأثير الآني كحكم على جدوى ما يصدر من قرارات وهذا لا يعني أن كل شيء يصدر يكون مثالياً، بل السمة الطبيعية للتطور هو التحديث ومواكبة التطورات، فأحياناً تكون القرارات مناسبة بتوقيت غير جيد مما ينعكس سلباً على فهم أبعادها، ولذلك دائماً ما يؤخذ بالعامل النفسي كجزء مؤثر في إصدار أي قرارات جديدة.

إن الهيئة تقوم بخطوة جيدة من خلال الاستبيان الحالي لكن حتى تنجح هذه الخطوة فإنها تحتاج إلى حملة إعلامية أوسع للوصول لأكبر شريحة من المستثمرين، فليس كل المتعاملين في السوق ممن يتعاطون مع الإنترنت كما يحتاج البعض الى التفريق بين الأهداف والمهام حتى تستطيع الهيئة الوقوف على معرفة واقع أدائها وصداه لدى المستثمرين بمختلف شرائحهم، وتستفيد من خدمات الشركة الموكل لها هذه المهمة من خلال تكليفها باستخدام كل الوسائل التي تتيح لنسبة كبيرة المشاركة في هذا الاستبيان وفهم أبعاده.