لم يعد الإعلام كما كان «تقليديا»، تضبطه وزارات الإعلام وتوجهه القيادات والأحزاب! فقد خرجت علينا اليوم نوافذ جديدة لنقل الأخبار وتوصيل الآراء الفردية والنتاج الفكري، قنوات مفتوحة بلا حصر ولا ضوابط! مثل هذه النوافذ ليست «فقط» تتحدث عن آراء في أمور اجتماعية و«مجرد» أخبار وفضائح شخصية للفنانين واللاعبين، أو أنها قنوات من خلالها يتم نقل الغث والسمين، الصحيح والمكذوب، وينشر الدجل والخرافات والشعوذة والكهانات ويروج لثقافة الجريمة بأنواعها.. لكنها أصبحت أدوات خطيرة تقلق وتهدد بعض رجال الأعمال والشركات والمؤسسات والكيانات الاقتصادية الكبرى! وأقصد بذلك الإعلام الجديد.. والذي يكاد يكون قد خرج من جلباب سلطة الإعلام التقليدي، بما يحتويه من قنوات التواصل الاجتماعي.. «التويتر» و«الفيس بوك» و«اليوتيوب» و«البلاك بيري» و«الوتس أب» و«التانقو»، وغيرها من الوسائل التي أصبحت تعتمد عليها شرائح كبيرة من المجتمعات المتحضرة، للحصول على الأخبار.. هذا الإعلام الجديد يعمل خارج إطار المرجعيات، والذي بدأ بالفعل يصل للجميع وبسرعة الضوء مخترقا جميع السواتر، ليفرض رغباته ونزواته الخاصة على الجميع، ويسوق لواقع فكرة الإعلام الجديد، التي تغير المفهوم الإعلامي التقليدي، لتجعل من الأفراد مسؤولين عن رسالة الإعلام. ولعلنا ندرك الفجوة الكبيرة بين الإعلام التقليدي والحديث.. وإن كنا لا نحس بها، فذلك لأننا نبحر في دوامتها! ففي الإعلام التقليدي يكتب الكاتب الصحافي اسمه تحت مقالته، وهناك من يضيف مهنته أو تخصصه ككاتب اقتصادي أو محلل مالي أو مهندس مدني أو غير ذلك، أما اليوم فيكفي للنشر أن يكتب المغرد رقم حسابه على «الفيس بوك» أو «التويتر»! والوقت يمضي في تسارع، ولا ندري إلى أين سيصل بنا هذا الإعلام الجديد المتطور! ونحن نشاهد تقنيات التواصل الإلكتروني في نمو وتزايد مطرد. فإلى عهد قريب، كنا نتحدث عن خطورة القنوات الفضائية التجارية والصحافة الإلكترونية، وعن ضعف آليات ضوابطها.. لكن هذه القنوات «على الأقل» كانت لها كيانات وأصحاب ومرجعيات وأنظمة. أما اليوم فقد انفتحت علينا السماء بإعلام بعضه لا يضبط ولا ينضبط ولا يستتر منه! ويمارس أعماله بأيدي أشخاص، منهم البسطاء من صغار السن ومنهم الهواة والعاطلون.. وبإمكانات متواضعة وباجتهادات شخصية. وكلها ممارسات وأنشطة تحت شعار حرية الرأي وحرية التعبير وحرية الإعلام! وبالتالي يتهيب كل من يحاول الوقوف في وجهها، حتى لا يأتيه ربيع يهلكه! كل هذه المقدمة الطويلة أريد منها أن أطرح سؤالا استباقيا: هل على رجال الأعمال والمسؤولين التنفيذيين في الكيانات الاقتصادية متابعة ما يطرح بوسائل الإعلام الجديدة؟! وهل عليهم أن يردوا ويصححوا ما يطرح فيها من مغالطات؟! نحن نعرف أنهم قلة من الوزراء وكبار المسؤولين الذين يتعاملون مع الإعلام الحديث، ولكن السؤال: هل عليهم الالتزام بالمتابعة؟! والنقطة الأهم.. أن هذا الإعلام الجديد يبدو لي سلاحا ذا حدين.. فقد يروج لمعلومات تضر بأقطاب القطاع الاقتصادي، وبالمقابل قد يستغله البعض لتحقيق مصالح شخصية، عن طريق تضليل الرأي العام والترويج لمعلومات غير صحيحة لتحقيق مصالح فردية.. فهل هناك من جهة تتابع ما يطرح، وتحاسب من يضر بالأشخاص والمؤسسات والصالح العام، على الوجه المطلوب؟