لا أدري لماذا هذا التكلف في العيد؟! وتحميل ميزانياتنا ما لا تطيق.. وما هي المبررات؟! المواطن الخليجي (ومع الأسف تبعه المقيم يقلده) يُنفق أموالا تثقل كاهله، بلا داع؟ لا أدري لماذا بعض الخليجيين تغلبُهم العادات على الحاجات والالتزامات. لمجرد إشباع الأهواء، فتجد البعض يتحمل تكاليف باهظة على أمور كمالية، إما لمجرد تقليد أقارب أو جيران أو أصدقاء أو بحثا عن السعادة وكأنها شيء مفقود منه.. والنتيجة أن بعضهم يقبع في أزمات مادية وديون، يبقى يعاني تسديدها لفترات طويلة! ففي رمضان الذي للتو ودعناه (بشوق إلى لقياه) تناقلت الصحافة السعودية خبرا يقول، إن «نصف مليار ريال مصاريف العيد»، وآخر مفاده أن السعوديين ينفقون (500) مليون ريال على حلويات العيد! ولا أدري من أين جاءتنا هذه الثقافة المُبالغة في تكاليف العيد؟! نتكلف في أمور كمالية، ما بين ملابس العيد ومصاريف تجميل (كوافيرات وبودي كير)، وإجار استراحات وقصور وصالات حفلات. وهناك أسر تضغط على ميزانياتها لتسافر خارج المملكة، ليقال إنهم سافروا لقضاء إجازة العيد في الخارج أو لمجرد أنهم تعودوا على ذلك. إلى درجة أن هناك من يتعاونون (أبناء وبنات وزوجة وزوج) ليجمعوا مصروف الرحلة أو يقترضون من البنوك قروضا شخصية تخصم من رواتبهم على مدى عام كامل.. لكي يسافروا للخارج. والبعض يسافر للشواطئ المحلية ليسكن في فنادق راقية بمبالغ خيالية (وهو في عسر مادي!).. وكل ذلك منبعه وحقيقته نقص في مستوى الوعي الاستهلاكي وجهل بحسن إدارة ميزانية الأسرة وضعف في شخصية رب الأسرة! لأن من يحتاج إلى قرض شخصي لكي يسافر (للترفيه)، إنما هو جاهل بأسس ومفاهيم إدارة ميزانية الأسرة ولا يحسن ترتيب أولوياته ليتدبر دخله المحدود. ولأنه غالبا سيضطر للتضحية ببعض الأساسيات لصالح الكماليات!. مع أن السعادة ليست بدفع الأموال، ولكن السعادة إحساس ينبع من الداخل! قابلت شخصا مع أسرته في إجازة عيد الأضحى للعام الماضي، مستأجرا فللا في أفخم فندق على شاطئ نصف القمر لمدة تسعة أيام بمبلغ ثلاثة آلاف ريال يوميا. الغريب أن هذا الشخص ما زال يجمع لشراء منزل يسكنه! سألته: كيف تدفع مثل هذا المبلغ؟! فقال: تلبية لرغبة الأولاد وأم الأولاد! وهناك من يضغط على نفسه وميزانيته لكي يقضي إجازة العيد في دبي أو في بيروت، تلبية لرغبة زوجته وأطفاله! ويقضي عمره وهو يساير شهواتهم، وهو يعلم أنه سيحرمهم من سكن يملكونه، وكلما استقروا في سكن مستأجر لعدة سنوات، طرأ لصاحب السكن أن يخرجهم منه فدخلوا في دوامة النقل وإعادة التأثيث بما يناسب السكن الجديد.
مع أن أمانة العاصمة السعودية الرياض، توفر فعاليات ترفيهية مجانية، يحييها عدد من الشخصيات الفنية بمواقع مختلفة بالرياض، وهناك حفلات بالمحافظات، هدفها ترفيه المواطن والمقيم وتعمم الفرحة بمناسبة العيد. ومثلها في العاصمة القطرية الدوحة، أعرف أنه تقام في سوق واقف حفلات يحييها رموز فنية لتُدخل السرور على أسر المواطنين والمقيمين (وفي جميع الدول العربية ما يماثلها). تتكلف الدولة الأموال الضخمة، لكن لأنها مجانية ويتزاحم على حضورها الجميع.. فإن المواطن يزهد فيها.
الخلاصة.. لست أعترض على الموسر أن يسافر متى شاء إلى أي بلد.. سواء لقضاء إجازة العيد أو لقضاء إجازة الصيف، فالسفر متعة محببة للنفس. لكن ملاحظتي على من يسافر ليقلد الموسرين وهو في عسرة من أمره. ثم يلتفت بعد أن يعود من السفر ليجد أنه عاجز عن تجميع دفعة أولى للسكن أو شراء سيارة تحمله وأسرته وتقضي طلباته. وبعد العيد تبدأ رسائل البرود كاست الساخرة تتبادل لتغني (مفيش فلوس يا حبيبي مفيش فلوس!).