هل الإستثمار بالبورصة المصرية مُجدي خلال الفترة القادمة؟! .. سؤال يجيب عليه المستثمرين دائماً بحدة وتعصب وبدون أي حل وسط بين طرفي معادلة الاستثمار (العائد في مقابل المخاطرة).
التعصب الإستثماري
فمن ناحية نجد بعض المستثمرين مُتعصبين بشدة لمخاطر السوق المصرية الحالية المبنية على إحتمالية إستمرار حال الإضطرابات السياسية بشكل أو بآخر حتى لو استقر الوضع لوقت مؤقت بالإضافة إلى تخوفهم كالعادة من إصباغ النظام المصري المتوقع بالمشروع الإسلامي لجماعة الإخوان المسلمين، ومن الجهة المقابلة وبعد الإرتفاعات القياسية بالجلسات الماضية نجد البعض الآخر من المستثمرين في قرارة أنفسهم يتحسرون على عدم إقتناص فرص تاريخية للمرة الثانية لقيم الأسهم الثمينة التي كانت تعرض بالجملة وبدون مشتري تقريباً في جلسات الأسابيع الماضية بأسعار تقل عن قيمتها العادلة بنسب تفوق 50%!! .. وبالطبع تتضاعف تلك الحسرة إذا كان المستثمر تخلص من أسهمه بهذه الاسعار البخسة.
الإرتعاد من الخسارة
كل ما سبق من فوضى القرارات الإستثمارية هو بسبب التأثر فقط بنصف معادلة الإستثمار وهو الخوف من الخسارة وتجاهل النصف الآخر من المعادلة وهو العائد الذي من الممكن الحصول بعد إجتياز المحنات التي تعرضت لها البورصة.
الإعتراف بالمخاطر واجب
ليس معنى ما سبق هو تجاهل الخسارة فمهما تحدثنا عن الإستقرار في الفترة القادمة وإحتمالية إنخفاض المخاطر السياسية والإقتصادية مقارنة بالعام ونصف الماضيين، فلن نُصدق أنفسنا وسنظل متشككين دائماً، ولكن معني ما سبق هو كما نعترف بالمخاطر الفترة القادمة .. وكما نعترف بإحتمالية عدم التوافق في تشكيل الحكومة وعراقيل الدستور و التحديات التي تفرضها بعض القوى السياسية الغاضبة والغير مستقرة وكما نعترف بهيمنة المجلس العسكري وطموحه الفترة المقبلة وكما نعترف بالتحديات المالية والإدارية لداهليز الحكومة المصرية وكما نعترف بعجز الموازنة المتزايد وجفاف الإحتياطي النقدي وكما نعترف بطموح المواطن المصري الذي لا يناسب الإمكانيات الحالية وكما نعترف بتجربة نظريات جماعة الأخوان التي قد تغير الكثير من الملامح المعتاد للإقتصاد المصري وكما نعترف بإنعكاس ذلك كله على المشهد الإستثمار المصري وخصوصاً البورصة المصرية... وكما, وكما، وكما..
ولكن الإعتراف بالمكسب فريضة
فلنعترف كذلك بالمكسب المتوقع مقابل كل تلك المخاطر .. فلنعترف أن الكثير من المحللين والإعلاميين وصفوا البورصات العربية قبل إنهيار 2006 بالآمنة وبأنها لازالت في أوقات مناسبة لصناعة مزيد من الثروات بينما كان الوقت المناسب فعلاً هو بعد إنهيارها بل وفي عز الوقت الذي إنصدم وخضع فيه المستثمرين لآنين الإعلام ورفضوا أي حديث عن فرص يمكن إصطيادها، فلنعترف ان من تحمل المخاطر السابق ذكرها للبورصة والإقتصاد المصري في العام الماضي وإقتنص أسهم في مستويات شديدة الإنخفاض حقق عوائد فاقت 40%، أو حتى لم يتخارج من السوق فقد عوض أجزاء كبيرة من خسائرة، فالنعترف أن البورصة المصرية كانت من أفضل البورصات أداءاً في العالم بالربع الأول من هذا العام والذي كان مليئاً بتحديات سياسية هي الأخطر في تاريخ مصر، فلنعترف أن أداء البورصة المصرية في النصف الأول لهذا العام فاق كافة البورصات العالمية وربما أيضاً العالمية بمكسب 30%، فلنعترف أن أداء البورصة المصرية إنفضل في أوقات كثيرة عن الأحداث السياسية مهما قست، فلنعترف أن الأداء المالي والسوقي لأسهم الكثير من الصناعات المصرية كالبترول والمعادن والأدوية والكيماويات ليس له علاقة قوية ومباشرة بما يجري على الساحة السياسية والإقتصادية المصرية ولكنها فقط علاقة نفسية ورغم ذلك فأداء تلك الأسهم كان جيداً، فلنعترف أن الإستقرار سيكون عامل حاسم ومحفز قوي للبورصة الفترة القادمة وهو ما يؤمل بشكل شبة مؤكد من خطة 100 يوم التي سيحرص عليها رئيس الجهورية وفريقه من الجانب الرئاسي والجانب الحكومي مهما أختلفوا ومهما تحملوا من مشقة على حسابتهم الشخصية، فلنعترف أن النمو الإقتصادي القوي وصناعة إقتصاد صناعي حقيقي وليس خدمي هو الطريق الوحيد أمام النظام القادم مهما كانت مرجعيته حتى لا يلقى مصير النظام الذي سبقه وليس لكي يحقق المجد .. فلا مجال للمجد حالياً، فلنعترف ان الإستثمار لا يهمه المرجعيات سواء إسلامية أم إشتراكية أم رأسمالية، فقط كل همه هو الربح والمخاطرة، فلنعترف أن غداً هو الأمل، غداً هو خطوة نحو الأمام.