تحدثت في مقال الأسبوع الماضي عن التحديات التي تواجه عملية التنمية المستدامة في قطر والتي من شأنها أن تؤثر سلباً على إمكانية تحقيق رؤية قطر الوطنية عام 2030، أو أنها قد تأتي منقوصة وأشرت على وجه الخصوص إلى احتمال حدوث خلل في التركيبة السكانية نتيجة نمو عدد السكان بمعدل سنوي لا يقل عن 5%. كما أشرت إلى التحدي الكبير الذي يمثله امتداد العمران على الأرض القطرية بحيث قد تتراجع الحياة البرية والزراعية ويزداد التلوث في الهواء وفي الماء على حد سواء. وأواصل اليوم الحديث عن نفس الموضوع، وإن من زاوية أخرى لا تقل أهمية عما سبقت الإشارة إليه. وأسارع إلى التنبيه إلى أن هذا المقال ينطلق في قراءته للمستقبل من ما نصت عليه رؤية قطر الوطنية من مبادئ، وفي مقدمتها ضرورة عدم المساس بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتها المستقبلية.
في سعيها لتنويع مصادر الدخل وبناء قطر المستقبل، توسعت خطط التنمية الحالية في الاستثمار الخارجي في شتى بقاع العالم، ولا يكاد يمر أسبوع إلا ويتم الإعلان عن صفقات جديدة، إلى الحد الذي جعل قناة سي إن بي سي العربية تقدم برنامجاً إخبارياً بعنوان قطر تشتري العالم. ولا يتم هذا التوسع عن طريق استغلال الفوائض المالية المتاحة للدولة فقط، ولكن بالاقتراض من السوقين الخارجي والمحلي، إلى الحد الذي رفع فيه إجمالي الدين العام إلى نحو 369.3 مليار ريال. ورغم أن هذا التوسع في الاقتراض يواكبه توسع مستمر في حجم الاستثمارات القطرية في الخارج، إلا أنه لا توجد بيانات رسمية منشورة عن الحجم الكلي لهذه الاستثمارات. وقد ذكر الدكتور حسين العبدالله على هامش اجتماعات الأونكتاد في الدوحة مؤخرا إن حجم الصندوق السيادي القطري يزيد عن 100 مليار دولار. ومن المؤكد أن قوله صحيح، باعتبار أن مجمل الدين العام يزيد عن 101 مليار دولار، ومن ثم فإن استثمارات الصندوق السيادي قد تجاوزت ذلك بكثير.
وربما هناك مصلحة رائجة في الاقتراض والاستثمار في الخارج للأسباب التالية:
1- أن معدلات فائدة الاقتراض هي الآن عند أدنى مستوى تاريخي لها ولا تزيد عن 3.5%، ومن ثم إذا كان العائد من هذه الاستثمارات يزيد عن ذلك فذلك أمر جيد، ويكون الاقتراض من أجله مبرراً.
2- أنه في ظل التداعيات المستمرة للأزمة المالية العالمية، فإن أسعار صرف العملات الرئيسية وخاصة اليورو والدولار مرشحة للتدهور، ومن ثم فإن الاقتراض بأسعار صرف مرتفعة نسبياً والسداد بأسعار صرف منخفضة مستقبلاً يكون مربحاً.
3- أنه إذا تدهورت أسعار صرف العملات الرئيسية مستقبلاً فإن الأصول العينية المستثمر فيها في الخارج سترتفع أسعارها بشكل جيد، وقد تتضاعف قيمتها مستقبلاً نتيجة لذلك.
4- أن امتلاك حصص مؤثرة في شركات ذات تقنية عالية مثل سيمنز وشركة شل وغيرها يمكن أن يساهم في تعجيل نقل التكنولوجيا لدولة قطر ومن ثم نقلها إلى مصاف الدول المتقدمة، بما يبرر الاقترض.
5- أن الاقتراض وإعادة الاستثمار في الخارج في أصول عينية متعددة ومتنوعة يزيد من فرص قطر في لعب دور مؤثر في الساحة العالمية وفي توجيه السياسات خدمة لقضايا الأمة.
هذه المبررات تبدو مقنعة في إجازة عملية الاقتراض العام على نحو ما حدث ويحدث خلال السنوات الخمس الماضية وحتى الآن، ولكن تجارب دول أخرى كثيرة لم تكن سارة في مجال الإغراق في الاقتراض حيث وقعت دول عديدة في شراكه، فوجدت نفسها بعد فترة غير قادرة على سداد فوائد الديون المتراكمة ناهيك عن أصل الدي. وخاصة إذا حدث ارتفاع مفاجئ في معدلات الفائدة. ويتطلب التوسع في الاستثمارات الخارجية توافر عدد كبير من المشرفين والمراقبين حتى لا تقع الاستثمارات فريسة للطامعين فيها من أهل البلاد المستثمر فيها. وإذا أضفنا إلى ذلك احتمالات الكوارث والثورات وما قد تخلفه من خسائر قد لا تكون في الحسبان، يصبح من المنطقي جداً التفكير في وضع سقف للدين العام وخاصة الخارجي منه، وألا يزيد عن نسبة من الناتج المحلي الإجمالي كما في دول مماثلة. ولا ننسى أن كل المعطيات قابلة للتغير.
إن بعض الشركات القطرية مثل كيوتيل وبروة وناقلات والكهرباء قد توسعت هي الأخرى، مما يجعل الصورة الكلية للدين العام المحلي منه والخارجي وللشركات، كبير. وعليه نوصي بأن يتم النظر في تعديل أهداف رؤية قطر الوطنية عام 2030 بحيث يكون في سلم أولوياتها تسليم البلاد للأجيال القادمة خالية من الدين العام ، وأن تكون في ذلك مثل تايوان التي لديها أكبر قدر من الاحتياطيات المالية. ولا ننسى أن قطر قادرة على تحقيق ذلك في ظل ما تحققه سنوياً من فوائض مالية كبيرة. ولتكن السنوات العشر القادمة فرصة لاستكمال مشروعات البنية التحتية الضخمة قبل المونديال دون إضافة جديدة للدين العام على أقل تقدير.
وبعد فقد تكون التنمية المستدامة بحاجة إلى مراجعة لإعادة ترتيب الأولويات، وما ذلك إلا رأي شخصي والله من وراء القصد