الإطار الشامل للتنمية لبناء سياسات أكثر فاعلية

01/01/2025 0
م. فارس بن عبدالرحمن القضيبي

في الخامس والعشرين من شهر سبتمبر العام 2015 اعتمدت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر كدعوة للعمل من أجل القضاء على الفقر والجوع، والحد من مجموعة واسعة من التفاوتات نحو تحفيز النمو الاقتصادي، والتكافل الاجتماعي، وحماية البيئة الطبيعية، ونظراً لأن النمو الشامل والأخضر والمستدام متعدد الأبعاد، فسوف يكون هناك حاجة إلى التخلي عن عقلية النمو الفردي القطاعية والجغرافية في بناء السياسات التنموية، والتوجه نحو نهج أكثر شمولية مبني على تمكين المجتمعات لتحقيق الرفاهية الاقتصادية، والتكافل الاجتماعي، والاستدامة البيئية، وأن تكون جميعها مترابطة وأساسية في مكوّن التنمية المستدامة والشاملة.

تسخير أدوات الاقتصاد الكلي نحو التنمية الشاملة

تسهم الحكومات في خلق الظروف المناسبة للنمو الشامل والممنهج، حيث من المفترض أن تلجأ الحكومات أولاً إلى أدوات الاقتصاد الكلي لتصميم سياسات تنموية أكثر متانة، وأكثر استقراراً واستدامة في المجالات الأساسية مثل التعليم العام، والبنية الأساسية، والإعانات الاجتماعية، وكذلك مجموعة من الخدمات العامة.

ويراهن الاقتصاديون على أهمية دور الساحة الاقتصادية في المساهمة في أهداف التنمية المستدامة للمجتمعات والأوطان، وذلك عبر تشجيع البلدان على تبني سياسات تعزز استقرار بيئة الاقتصاد الكلي مع الأخذ في الاعتبار توسيع أجندة الإصلاحات التنموية، التي تقودها تحرير أسواق رأس المال بشكل منظّم من أجل تخصيص الموارد، والاستثمارات على نحو أفضل، وبالتالي تمكين البلدان من النمو بسرعة أكبر، وبطريقة أكثر استدامة.

الإصلاحات التنموية يجب أن تكون أكثر شمولية من خلال التكامل بين القطاعات تتضمنها إصلاح التجارة الشامل، وإعادة هيكلة وخصخصة المؤسسات العامة، وإصلاح القطاع المالي، وتحسين البيئة المناسبة للاستثمار الخاص، ومن دون هذه الإصلاحات فإن أفقر وأغنى الدول معرضة لخطر التهميش، الأمر الذي يدفع البلدان نحو العولمة الاقتصادية بشدة للاستفادة من موارد بعضها البعض لتحقيق التكامل في عالم مختلف الموارد والإمكانات.

أدوات الاقتصاد الكلي مثل الاستقرار المالي والنقدي مهمة جداً لتخفيف التقلبات الاقتصادية، وتجنب الركود والأزمات المدمرة، والتي تمتد آثارها الفتّاكة على النمو الاقتصادي إلى آثار أكثر فتكاً على التنمية المجتمعية والاجتماعية، وهو الأمر الذي يقود إلى تهديد أمني لاستقرار الدول والشعوب، حيث لا يمكن فصل أيٍ من مكوّنات الاقتصاد عن المكوّن الاجتماعي، ومن ثم المكوّن الأمني.

الإطار الشامل للتنمية بين الاقتصاد الكلي والجزئي

تحتاج مؤسسات الدولة إلى توفير إطار الحوكمة للتنمية الشاملة مع أهمية التركيز على الجانب الزمني في بنائه، وذلك لتوضيح التداخلات الزمنية في تفعيل أدوات الاقتصاد الكلي، والاقتصاد الجزئي لبناء خطة تنموية أكثر شمولية واستدامة مع التأكيد على أهمية الفوائد الاقتصادية المرحلية، والقطاعية، وذلك في سبيل الاستغلال الأمثل لثروة الموارد بين الأجيال الحالية والمستقبلية.

تكمن أهمية إطار التنمية الشامل في ربط كل عنصر من عناصر الإطار ببقية العناصر، كما يوضح الإطار أهمية كل عنصر ووظيفته الرئيسية، وأدوات التفاعل والتفعيل، كما أن النمو الشامل هو نمو كلي بطبيعته، وبالتالي فإن جميع مكونات الإطار مترابطة بشكل كامل مع الحفاظ على مرونة وديناميكية أدوات التنفيذ، والتغيير في الحالات غير المعرفة في الخطط التنموية كما حدث في أزمات متعددة تعرَّض لها النظام العالمي "الجائحة على سبيل المثال".

أربع مراحل رئيسية لتنفيذ الإطار الشامل للتنمية

يتضمّن إطار التنمية الشامل مراحل رئيسية لضمان الوصول لخطط تنموية أكثر ترابطاً بين المكونات والقطاعات الرئيسية، وأكثر استدامة في مواجهة التغيّرات، وأشدّ متانة لمواجهة الظروف المجهولة، ويمكن تلخيص هذه المراحل إلى أربع مراحل رئيسية:

1. تشخيص الوضع الحالي: تتمثّل الخطوة الأولى في تشخيص الوضع الحالي لخطط النمو، والتحقق من شموليتها واستدامتها، ويجب أن يشمل ذلك مقاييس الفقر، وعدم المساواة والفجوات في مجموعة متنوعة من النتائج والمؤشّرات، مع الأخذ في الاعتبار أهمية المقارنة الإقليمية والدولية، وذلك بالنظر للمعايير الموحدة، والمعتمدة باستخدام مؤشّرات المنظمات الدولية ذات الشأن.

2. تحديد الأولويات الاستراتيجية والمرحلية: توضح الخطوة الثانية في قدرة صناع السياسات في بناء سياساتهم بربطها في الخطط الاستراتيجية بعيدة المدى في المقام الأول مع الإبقاء على

الأهداف المرحلية؛ والمكتسبات العابرة في خدمة أهداف وغايات استراتيجية النمو الشامل الخاصة بهم..

3.تحليل السياسات العامة والقطاعية وطرق تنفيذها: تبين الخطوة الثالثة أهمية الربط بين المؤسسات والهيئات المسؤولة، وبين القطاع العام والخاص، كما أنها تشمل المؤسسات والمنظمات غير الربحية عن كل مجال من مجالات السياسات التنموية، ويتم ذلك من خلال التحليل الممنهج، ووضع سيناريوهات تحاكي المتغيّرات المحتملة، ومدى ترابط تلك السياسات، وقدرتها على المساهمة بشكل منفرد في منهجية النمو الشامل المشتركة.

4. القياس والتقييم والتعديل: الخطوة الأخيرة تظهر مدى جودة السياسات المتخذة من خلال النظر في التقدم التنموي المحرز، وكذلك من خلال النظر في مدى صمودها أمام الظروف العالمية والإقليمية المحيطة مع الأخذ بالاعتبار الظروف الخاصة بالبلد عند النظر في الرؤى، والأدبيات الاقتصادية، وتجارب البلدان المماثلة، حيث إنه من المهم جداً الأخذ بالظروف الخاصة بالبلد في القياس والتقييم، ومن ثم التعديل للوصول لمزيج السياسات المناسب.

ختاماً

تحقق منهجية التنمية الشاملة للدول التركيز على مؤشّرات الاستدامة التي تؤثّر بشدة على الناتج المحلي الإجمالي بما يتماشى مع أهدافها السياقية المحددة، وخصائصها الفريدة عوضاً عن السعي خلف أهداف معينة الأمر الذي يسبب تأثيرات مباشرة على أهداف أخرى، وهو ما تفشل فيه العديد من الدول في تنفيذ أهداف التنمية المستدامة، واستراتيجيتها التنموية. تدفع عقلية النمو المشترك بالاقتصاد نحو تعزيز التنمية الشاملة من خلال التركيز على الركائز البيئية والاجتماعية والاقتصادية، وتسخيرها بشكل أكبر نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وذلك عبر خلق نظام يعتمد على التكامل بين القطاعات، وبين المكونات الرئيسية، ودفعها للتحوّل من منهجية الأداء الفردي إلى عقلية النمو المشترك.

 

المقالة منشورة في النشرة الفصلية التي تصدرها جمعية الاقتصاد السعودية عدد جمادى الاخرة 1446هـ / ديسمبر 2024