الاقتصاد المعرفي لا يعتمد على النفط والغاز

24/04/2012 5
د. فواز العلمي

في عصر العولمة أصبحت المعرفة، وليس النفط والغاز والفحم، المحرك الرئيس للاقتصاد. فمن خلال التعليم والبحث والابتكار، وليس التلقين والتقليد، يتألق الاقتصاد المعرفي وتنهض التنمية في المجتمعات

اليابان التي خسرت الحرب العالمية الثانية في عام 1945، وأشرف نصف سكانها على الموت من الجوع بينما ذاق النصف الآخر مرارة الاحتلال، كانت وما زالت تفتقر إلى المواد الأولية من نفط وغاز وفحم. ومع ذلك حققت اليابان خلال نصف قرن العديد من الإنجازات والكثير من المعجزات بسبب تركيزها على العلم والبحث والابتكار لإثراء المعرفة في مجتمعها.

اليوم أصبحت اليابان رابع أكبر قوة اقتصادية في العالم، حيث فاق ناتجها المحلي الإجمالي بمقدار 3 أضعاف مجموع مثيله لكافة دول العالم الإسلامي، و11 ضعف مجموع مثيله لكافة الدول العربية.

سنغافورة التي رزحت تحت وطأة الاحتلال البريطاني لغاية عام 1963، ودمرت المخدرات نصف شعبها بينما أرهقت نصفه الآخر حروب الاستنزاف، كانت أيضاً وما زالت تفتقر إلى المواد الأولية من نفط وغاز وفحم. ومع ذلك يوجد في سنغافورة اليوم ثاني أكبر مصافي النفط في العالم ولديها أكبر موانئ المعمورة وأكثرها ارتياداً للناقلات البحرية، وغدت سنغافورة نموذجاً حياً للاقتصاد المعرفي المميز، يحتذى به في كافة أرجاء القرية الكونية.

كوريا التي خاضت ثلاثة حروب طاحنة في النصف الأول من القرن الماضي وخسرت نصفها الشمالي في عام 1948، وكاد نصفها الجنوبي أن يغرق في ديونه الثقيلة في عام 1976، كانت أيضاً وما زالت تفتقر إلى المواد الأولية من نفط وغاز وفحم. ومع ذلك تحتل كوريا الجنوبية اليوم المرتبة الأولى في صناعة تقنية المعلومات والمركز الخامس في الصادرات العالمية ليقترب ناتجها المحلي الإجمالي من ضعف مجموع مثيله في دول الخليج العربية و4 أضعاف مجموعه لكافة الدول العربية. وحققت كوريا الجنوبية في الحقبة الأخيرة أفضل نسبة نمو عالمي حقيقي في بنيتها التحتية الذكية وغدت قبلة علماء الأرض في البحث العلمي والابتكار وتطوير تقنية المعلومات وصناعة الإلكترونيات وتشييد الأروقة الذكية.

في عصر العولمة أصبحت المعرفة، وليس النفط والغاز والفحم، المحرك الرئيس للاقتصاد. من خلال التعليم والبحث والابتكار، وليس التلقين والحفظ والتقليد، يتألق الاقتصاد المعرفي وتنهض التنمية في المجتمعات وتعم الرفاهية بين الشعوب. التعليم هو الأساس في تحقيق الإنتاجية التنافسية، والبحث هو الإبداع في دمج الاتصالات بالمعلوماتية، والابتكار هو الرابط بين المؤسسات الأكاديمية والتجارية لتكييف التقنية مع الاحتياجات المحلية.

خلال العقد الماضي ارتفعت نسبة التعليم الجامعي إلى 95% في كوريا الجنوبية و90% في اليابان و82% في أميركا و70% في أوروبا، بينما انخفضت هذه النسبة إلى 31% في الشرق الأوسط و26% في العالم العربي و6% في أفريقيا.

المعدلات المتدنية للتعليم الجامعي في العالم العربي جاءت نتيجة لضعف خططه الاستراتيجية في تغيير الهيكلة التقليدية لأدواته التعليمية، إضافة إلى تراجع مستوى إنفاق الدول العربية على البحث العلمي وتمادي مؤسساته التجارية في العزوف عن التطوير والابتكار والإبداع.

في الوقت الذي ازداد العدد الكلي للباحثين في العالم من 6 إلى 11 مليونا خلال العقد الماضي، حققت الدول المتقدمة نسبة 62% من هذه الزيادة، بينما لم تحقق الدول النامية، التي منها الدول العربية، سوى 38%. من الإجمالي العالمي وصلت نسبة الباحثين إلى 37% في آسيا و30% في أوروبا و25% في أميركا، بينما انخفضت إلى 4% في العالم العربي و3% في أفريقيا.

خلال العقد الماضي، زاد متوسط عدد الباحثين في العالم بمعدل 1000 باحث لكل مليون نسمة، حيث سجلت الدول المتقدمة ثلاثة أضعاف هذا العدد، بينما انخفض المعدل في الدول النامية إلى 580 باحثا لكل مليون نسمة، ولم تُسَجِل الدول الأقل نمواً سوى 43 باحثاً فقط لكل مليون من مواطنيها. وفي الوقت الذي ارتفع متوسط معدل الإنفاق العالمي على البحث العلمي لكل باحث إلى 190 ألف دولار أميركي، وفاق 235 ألف دولار في الدول المتقدمة، انخفض هذا المعدل إلى 100 ألف دولار في الدول النامية عامةً و43 ألف دولار في الدول العربية خاصةً. ونتج عن ذلك حصول الدول المتقدمة على 96% من عدد براءات الاختراع في العالم مقارنة بالنسبة المتبقية التي حققتها الدول النامية، بما فيها العالم العربي، والتي لا تزيد عن 4%.

هذا التفاوت الشديد بين الدول سببه تراجع أولويات الدول النامية وضعف مستويات التعليم والبحث والابتكار فيها مما أدى إلى تخلفها عن ركب الاقتصاد المعرفي. فالتعليم وليس التلقين هو الذي يثري تبادل المعرفة، والبحث وليس الحفظ هو الذي يساهم في طرح الأفكار الجديدة، والابتكار وليس التقليد هو الذي يصنع الرفاهية الاجتماعية.

القوى الدافعة الرئيسية التي تؤدي إلى مجتمع خليجي معرفي في ظل قدراتنا التنافسية الإقليمية تنحصر في التركيز على ثلاثة عناصر مشتركة. العنصر الأول يختص في تسخير قواعد العولمة لفتح الأسواق العالمية أمام الصادرات الخليجية وتحرير سياساتها التجارية وزيادة فرص استثماراتها المباشرة. والعنصر الثاني يعتمد على توطين تقنية المعلومات وتخفيض تكاليف الاتصالات ونشر شبكات الحاسبات وربط الإنترنت ومواكبة التغيرات التقنية المتسارعة لإثراء الفكر والمعرفة. أما العنصر الثالث فيهدف إلى فتح الأسواق لتشجيع المنافسة العادلة وإجبار كافة القطاعات على زيادة كفاءتها الإنتاجية وتخفيض تكاليفها التشغيلية ورفع قيمتها المضافة المحلية.

لتحقيق أهداف الاقتصاد المعرفي علينا إعادة هيكلة التعليم في مدارسنا وجامعاتنا ودعم مراكز بحوثنا وإلغاء مواد الحفظ والحشو والتلقين من مناهجنا واستبدالها بأساليب العلم والبحث والابتكار.