لدى المملكة العربية السعودية استراتيجية متكاملة لتنمية الصناعة تم اعتمادها منذ عدة سنوات، وتحديداً بعد أن اقرت دول المجلس في عام 2006 استراتيجية موحدة للصناعة. وقد خضعت هذه الاستراتيجية الموحدة للتقييم والمراجعة في عام 2009، وتم منذ ذلك الوقت التوجه إلى تبني خريطة للصناعات الخليجية تعدها منظمة الخليج للاستشارات الصناعية، وتركز أساساً على الصناعات الغائبة.
وإضافة إلى ما تقدم فإن الشركات الصناعية قد تأثرت منذ العام 2009 بتداعيات الأزمة المالية العالمية، نتيجة لتراجع أسعار المنتجات في بداية الأزمة وتراخي الطلب عليها. وقد استرعى انتباهي مؤخراً أنه قد حدث تراجع في عدد المشروعات الصناعية المرخص لها والتي لم تبدأ بالإنتاج في السعودية، حيث تراجع العدد في العام 2011 بنسبة 116.1% عن العام 2010 بحيث بلغ 5096 مشروعاً.
الجدير بالذكر أن هذا الإنخفاض الحاد في عدد المشروعات المتراكمة المرخص لها قد تلا فترة استقرت فيها الأعداد في الفترة 2008-2010 فوق مستوى 11 ألف مشروع. ومع ذلك أظهرت البيانات أيضاً أن تكلفة التمويلات المطلوبة لهذه المشروعات لم تنخفض كما انخفضت الأعداد، حيث ظلت في عام 2011 عند مستوى 580.5 مليار ريال بانخفاض بنسبة 9.2% فقط عن السنة السابقة.
فهل جاء هذا التراجع الحاد في عدد المشاريع المرخص لها نتيجة تداعيات الأزمة المالية العالمية التي أثرت على أنشطة الشركات الصناعية العاملة وعلى مراكزها المالية، مما قلل من شهية الإندفاع نحو إقامة المزيد من المشروعات؟ أم أن تبني استراتيجية التنمية الصناعية بالمملكة قد وضع قيوداً وحدوداً على التوسع في مشروعات بعينها للتحفيز على الاهتمام بمشروعات أخرى أولتها الاسترتيجية عنايتها واهتمامها؟ أم أن البحث عن خريطة للصناعة في دول المجلس يركز على الصناعات الغائبة قد اثر على التوجهات؟ هذه الأسئلة تطرح نفسها عند النظر في إيجاد تبريرات للتراجع الذي حدث في عدد المشروعات المرخص لها في المملكة، وما إذا كان التراجع في العدد التراكمي للتراخيص نتيجة لتلك الأسباب أن أنه جاء نتيجة لقرارات إدارية ألغت الرخص غير المفعلة. وقد بحثت هذا الموضوع في مقال موسع صدر مؤخراً في مجلة التعاون الصناعي التي تصدرها منظمة الخليج للاستشارات الصناعية، بهدف استكشاف ما إذا كان للنتائج المالية للشركات الصناعية بالمملكة تأثير على الظاهرة فوجدت ما يلي:
1- في شركات الصناعات البتروكيماوية، سجلت أربع منها خسائر صافية، وتراجعت أرباح شركة خامسة بنسبة 68%، فيما حققت تسع منها زيادة في أرباحها لعام 2011 بنسب مختلفة.ومن حيث توزيعات الأرباح تبين أن 6 شركات فقط قد وزعت أرباحاُ عن عام 2011.
2- في صناعة الأسمنت: مُنيت شركة واحدة بخسارة في عام تشغيلها الأول، بينما حققت الشركات التسع الأخرى أرباحاً صافية، بزيادة بنسبة 23.8% عن العام السابق. وقد وزعت ثمان شركات أرباحاً نقدية. وبالنتيجة فإن قطاع الإسمنت يبدو في وضع أفضل من حيث ربحية الشركات في المجمل ومن حيث زيادة نسبة عدد الشركات الموزعة لأرباح على المساهمين، وإن كانت خسائر الشركة الجديدة تبعث بعض القلق في ظل التقارير التي تتحدث عن وجود فائض في انتاج هذه الشركات.
3-سجلت شركات الاستثمار الصناعي في مجملها زيادة في أرباحها عن العام السابق بنسبة 26.8%. وقد تمكنت شركة معادن من تحويل خسارتها في عام 2010 بقيمة 9.2 مليون ريال إلى أرباح صافية بقيمة 413 مليون ريال. وسجلت خمس شركات زيادة في أرباحها الصافية بنسب تراوحت ما بين 2% إلى 220%. وفي المقابل تراجعت أرباح سبع شركات بنسب تراوحت ما بين 4% إلى 81%. وقد وزعت تسع شركات أرباح نقدية.
4- في شركات صناعات التشييد والبناء، منيت ثلاث شركات بخسائر، وتراجعت أرباح ثمان شركات بنسب تراوحت ما بين 5%إلى 77%. وحققت اربع شركات زيادة في أرباحها السنوية بنسب تراوحت ما بين 5% إلى 106%. وقد وزعت ثمان شركات أرباحاً نقدية.
5-في الصناعات الغذائية، تراجعت أرباح شركة المراعي بنسبة 11%، ووزعت نقداً إضافة إلى أسهم مجانية، بينما ارتفعت أرباح نادك بنسبة 77% ووزعت نقداً، ولم تتغير أرباح حلواني ووزعت أرباحاً نقدية، وارتفعت ارباح صافولا بنسبة 35% ووزعت عائداً نقدياً.
الخلاصة أن 14% من الشركات الصناعية التي تم الإعلان عنها -عند إعداد المقال-قد منيت بخسائر في عام 2011، فيما تراجعت أرباح 30.4% من هذه الشركات عن السنة السابقة، وسجلت بقية الشركات ونسبتها 53.6% ارتفاعاً في ارباحها. وفي المقابل فإن 62.3% من الشركات قد وزعت أرباحاً نقدية، ووزعت بعض الشركات أسهماً مجانية. هذه النتائج قد لا تكون مغرية بالحد الكافي مما دفع بعض المستثمرين للعزوف عن تنفيذ مشروعه المرخص له.