برنامج تطوير القطاع المالي.. خطوات واثقة نحو بناء مركز مالي إقليمي وعالمي

20/07/2025 0
حسين بن حمد الرقيب

في عامٍ لم يكن كغيره، مضى برنامج تطوير القطاع المالي في المملكة العربية السعودية بخطى واثقة نحو تحقيق أهدافه، متجاوزًا التوقعات، ومختصرًا المسافات نحو بناء قطاع مالي متين، شامل، وفعّال، لم يكن ذلك محض صدفة، بل نتيجة جهود تكاملت فيها الأدوار، وتوحدت فيها الرؤى، بين الجهات الحكومية والقطاع الخاص، في سبيل دفع عجلة الاقتصاد وتعزيز مكانة المملكة كمركز مالي إقليمي ودولي، عام 2024 كان عامًا حافلًا بالتحولات، بدأت ملامح هذه التحولات بالظهور عبر ارتفاع حصة المدفوعات الإلكترونية إلى 79 % من إجمالي عمليات الدفع للأفراد، مقارنة بـــ 70 % في العام الذي سبقه، هذا التحول لم يكن رقميًا فحسب، بل كان مؤشرًا واضحًا على عمق التحول في سلوك المستهلك وثقة المواطن في البنية الرقمية، التي تطورت بدعم مباشر من البنك المركزي السعودي، الذي بدوره أطلق خدمات جديدة، من أبرزها تفعيل الهوية الرقمية، وخدمة Samsung Pay، والنسخة الثانية من إطار المصرفية المفتوحة، في القطاع المصرفي، تجاوزت أصول البنوك 4.49 تريليون ريال، متقدمةً على مستهدفات 2025، فيما بلغ حجم الائتمان الممنوح للقطاع الخاص 2.78 تريليون ريال، هذه الأرقام لم تكن جامدة، بل تعكس حيوية النظام المصرفي، وقدرته على دعم النمو الاقتصادي، وتوفير السيولة للمشروعات الإنتاجية، في الوقت ذاته، شهدت قروض المنشآت الصغيرة والمتوسطة نموًا ملحوظًا، حيث ارتفعت حصتها من إجمالي القروض من 8.4 % إلى 9.4 % خلال عام واحد، مما يدل على دعم مباشر لهذه الفئة التي تُعد أحد أهم روافد التنويع الاقتصادي.

أما سوق الأسهم، فقد حافظت على زخمها، إذ تم إدراج 44 شركة جديدة، ليصل عدد الشركات المدرجة إلى 353 شركة، في وقت تم فيه إطلاق مؤشرات مالية جديدة مثل “تاسي 50”، وعقود الخيارات، وصناديق استثمارية جديدة تتبع السوق السعودية في بورصات طوكيو وهونغ كونغ وشنغهاي، مما يؤكد عمق الانفتاح الدولي للسوق المحلية، وكان لهيئة السوق المالية دور محوري في هذا الجانب، حيث تم العمل على رفع جاذبية إدارة الأصول، ليصل حجم الأصول المدارة إلى أكثر من تريليون ريال، وعدد الصناديق الاستثمارية إلى 1,549 صندوقًا، بعد أن كانت 577 فقط في عام 2017، كما شهدت سوق الصكوك وأدوات الدين عددًا من التطورات الإيجابية، مثل تنظيم نشــــــاط صناعة الســــــوق لســــــوق أدوات الدين، بما يسهم في تعزيز ســــــيولة ســــــوق الصكوك وأدوات الدين وتوسيع قاعدة المستثمرين، من جهة أخرى تم إطلاق أول منتج ادخاري موجه للأفراد تحت اسم “صح”، بهدف تعزيز ثقافة الادخار وتمكين المواطنين من بناء مستقبل مالي مستدام، كما تم إدخال أدوات ومنتجات مالية جديدة لدعم سوق الصكوك وأدوات الدين، التي شهدت نموًا بنسبة 123 % منذ 2017، وتم منح أول رخصة لنظام تداول بديل للأوراق المالية، ما يشير إلى التنوع المتزايد في أدوات التمويل والاستثمار داخل المملكة.

 

وفي قطاع التأمين، لم يكن التطور أقل أهمية. فقد ارتفع إجمالي أقساط التأمين المكتتبة بنسبة 16.3 % لتصل إلى 76.1 مليار ريال، كما سجل القطاع نموًا في صافي الأرباح بنسبة 12.5 %، وصولًا إلى 3.6 مليارات ريال، وقد أسهم دعم الهيئة العامة للتأمين للتقنيات التأمينية في زيادة عدد الشركات المرخصة بنسبة 56 %، وهو مؤشر على حيوية الابتكار في هذا القطاع.

على مستوى التقنية المالية، تجاوز عدد الشركات الفاعلة 261 شركة بنهاية 2024، متقدمًا على مستهدفات البرنامج، هذه الشركات لم تضف فقط حلولًا جديدة، بل خلقت أكثر من 11 ألف وظيفة مباشرة، وبلغ مجموع الاستثمارات الجريئة في هذا القطاع 7.6 مليارات ريال، وقد تكللت هذه الجهود بتنظيم أول مؤتمر دولي للتقنية المالية “فنتك 24”، الذي جمع أبرز الجهات التنظيمية والمستثمرين وصناع السياسات والخبراء، في خطوة عززت مكانة المملكة كمركز إقليمي واعد للتقنية المالية.

 

 

كل هذه التطورات لم تكن معزولة، بل تندرج ضمن إطار إستراتيجي واضح، يعمل على مواءمة القطاع المالي السعودي مع أفضل الممارسات العالمية، ويعزز من جاذبيته وكفاءته وقدرته على مواكبة التحولات العالمية، البرنامج عمل أيضًا على تحديث القوانين والأنظمة، وتعزيز الشفافية، وتحسين البيئة التنظيمية، بما يضمن استمرارية التقدم واستدامة النمو، وإذا كان عام 2024 قد شهد هذه التحولات اللافتة، فإن تطلعات 2025 تتجه نحو تعميق هذه الإنجازات، من خلال تطوير البيئة الاستثمارية، ورفع جاذبية السوق المالية، وتعزيز الوعي المالي، وزيادة معدل الادخار القومي، وفتح آفاق أوسع أمام المستثمرين المحليين والدوليين، وبهذا المسار يتواصل البناء المالي في المملكة وفق رؤية طموحة لا تنظر فقط إلى الأرقام والمؤشرات، بل إلى التأثير المستدام في حياة الناس، ومستقبل الأجيال، واستقرار الاقتصاد الوطني.

 

 

نقلا عن الرياض