السعودية والدول الخليجية الأخرى لديها المزايا التنافسية الفريدة، التي تضعها في مقدمة الدول القادرة على الاستفادة من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة
طبقاً لدراسة دائرة التنمية الاقتصادية في أبوظبي الصادرة في نهاية العام المنصرم، حصلت المشروعات الصغيرة والمتوسطة في الإمارات على 94% من إجمالي المشروعات، فيما حصلت نظيراتها في كل من البحرين وقطر وعُمان على 92%، والكويت على 78%، والسعودية على 75%.
عالمياً، تساهم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بنسبة 46% من الناتج العالمي الإجمالي، كما تساهم المشروعات الصغيرة والمتوسطة بما لا يقل عن 80% من إجمالي القيمة المضافة، ويعمل فيها 76% من إجمالي العمالة في القطاع الخاص. في كوريا الجنوبية تساهم هذه المؤسسات في الناتج المحلي الإجمالي بنحو 75% وفي اليابان بنسبة 65% وفي ألمانيا وأمريكا بنحو 48%، بينما لا تزيد عن 33% في الدول الخليجية.
من إجمالي المؤسسات، تصل نسبة المؤسسات الصغيرة إلى 98% في أمريكا و99% في أوروبا و97% في اليابان و95% في كوريا الجنوبية، وتستوعب 40% من إجمالي العاملين بالقطاع الخاص في أمريكا و68% في أوروبا و80% في اليابان و90% في كوريا الجنوبية، بينما لا تزيد هذه النسبة عن 50% في الدول الخليجية وتقل مساهمتها في استيعاب العمالة عن 34%.
ومن إجمالي الصادرات، بلغت مساهمة صادرات المؤسسات الصغيرة 72% في أمريكا و63% في أوروبا و60% في الصين و56% في تايوان و70% في هونج كونج و44% في كوريا الجنوبية، بينما لا تزيد هذه النسبة عن 4% في الدول الخليجية.
تلعب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة دوراً بالغ الأهمية في التنمية الاقتصادية في مختلف دول العالم، حيث تقدم لها الدول كافة أشكال الرعاية والتشجيع. في كل من الصين والهند يتركز التشجيع على توفير المشاريع للمؤسسات الصغيرة، حيث فاق عددها 10 ملايين مشروع، تشكل نحو 99% من العدد الإجماي للمشاريع الاقتصادية في كلتا الدولتين، لتشارك المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بنسبة 60% من الإنتاج الصناعي في الصين والهند، ويعمل فيها ما يقرب من 75% من القوى العاملة.
وفي دول الاتحاد الأوروبي يتركز التشجيع على توفير التعليم المهني المجاني للعاملين، فأصبحت المشاريع الصغيرة والمتوسطة تشكل 98% من مجموع المنشآت وتوظف 60% من مجموع الأيدي العاملة في الاقتصاد الأوروبي.
وفي اليابان حققت المؤسسات الصغيرة نجاحاً باهراً على المستوى الدولي، حيث تفوقت في توجيهها وتشجيعها على الاستفادة من الصناعات التحويلية، التي فاقت نسبتها 99% من إجمالي عدد الشركات العاملة وأصبحت تضم نحو 70% من القوى العاملة وتوفر 55% من القيمة المضافة المحلية.
الخبرة اليابانية بدأت في عام 1962، عندما أطلق معهد طوكيو لإدارة الأعمال والتقنية مشروع تطوير الموارد البشرية للمشاريع الصغيرة والمتوسطة. بدأ المعهد في تدريب 4000 من العاملين سنوياً في هذه المشاريع لفترات مختلفة في مجالات التطوير الإداري والتقني ودعمها بأكثر من 1200 خبير في الإدارة والإنتاج والتسويق والمحاسبة المالية وتقنية المعلومات.
عبر 52 عاماً قامت اليابان بتمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة بقروض ميسرة لإعادة هيكليتها وتطوير إداراتها ورفع قدراتها التنافسية، طبقاً للمعايير التالية:
أولاً: معيار "حجم العمالة"، الذي قسَّم هذه المؤسسات إلى ثلاثة أقسام: مصغّرة تستخدم (1-9) عمال وصغيرة (10-199) عاملا ومتوسطة (200-499) عاملا. ويعتمد هذا المعيار على القدرة الاستيعابية للعمالة الوطنية في هذه المؤسسات.
ثانياً: معيار "رقم الأعمال"، وذلك للتأكد من قيمة وأهمية المؤسسات وتصنيفها من حيث قدراتها التنافسية وتطور أدائها من خلال الرقم القياسي لتوضيح نموها الحقيقي وليس الاسمي. ويعتمد هذا المعيار على مقدار القيمة المضافة الحقيقية التي تجنيها هذه المؤسسات لدى تنفيذ مشاريعها.
ثالثاً: معيار "رأس المال"، لتحديد حجم المؤسسة وتحديد طاقتها الإنتاجية. ويختلف هذا المعيار من دولة إلى أخرى ومن قطاع إنتاجي إلى آخر، حيث يتراوح في الدول النامية بين 35 إلى 200 ألف دولار، ويصل في الدول المتقدمة إلى 700 ألف دولار.
رابعاً: معيار "معامل رأس المال"، الذي بالإضافة لمعيار العمالة يعتبر من المعايير المحددة للطاقة الإنتاجية للمؤسسة. ويعتمد هذا المعيار على القدرة الإنتاجية والتصديرية للمؤسسة بالنسبة لرأسمالها.
خامساً: معيار "التنظيم القانوني"، الذي يتوقف على طبيعة ملكية المؤسسة وطريقة تمويلها وتنظيم أحكامها. ويتم تصنيف المؤسسة وفقا لهذا المعيار إذا اتسمت بخاصتين أو أكثر، مثل قدرتها على تقنين الجمع بين الملكية والإدارة، ومحدودية مالكي رأس المال، وضعف نطاق الإنتاج وتركزه في سلعة أو خدمة محددة، وصغر حجم الطاقة الإنتاجية المحلية، والاعتماد بشكل كبير على المصادر المحلية للتمويل والاستقلالية.
سادساً: معيار "الحصة" في السوق المحلي، حيث إن المؤسسات الصغيرة والمتوسطة هي مؤسسات تنافسية وليست احتكارية، وبالتالي فإن حصتها في السوق تبقى محدودة.
السعودية والدول الخليجية الأخرى لديها المزايا التنافسية الفريدة، التي تضعها في مقدمة الدول القادرة على الاستفادة من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة. يكفي هذه المؤسسات أن الدول الخليجية لم تلتزم بتطبيق اتفاقية المشتريات الحكومية في منظمة التجارة العالمية، وعليه فإن الحكومات الخليجية تملك مطلق الحق في شراء كافة احتياجاتها من سلع وخدمات من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وتفضيلها على المنتجات الأجنبية. ويكفي هذه الدول قدرتها على تمويل المنشآت الصغيرة بقروض ميسرة.
لتحقيق النمو الاقتصادي المتسارع في الدول الخليجية نحن في أمس الحاجة إلى هذه المعجزة لدعم وتشجيع المشروعات الصغيرة والمتوسطة وإعطاء دور أكبر للقطاع الخاص لتوفير فرص العمل الوطنية وإثراء القيمة المضافة المحلية وزيادة صادراتنا غير النفطية.