تجفيف سيولة القطاع الخاص وتأثيره على تداولات البورصة

21/01/2012 2
بشير يوسف الكحلوت

جاءت أرقام الميزانية المجمعة للبنوك لشهر ديسمبر لتلقي بعض الضوء على أسباب تراجع أسعار الأسهم في بورصة قطر خلال الأسبوعين الماضيين. فعلى الرغم من زيادة موجودات البنوك المجمعة بنحو 50.3 مليار ريال وبنسبة 7.8% عن شهر نوفمبر لتصل إلى 698 مليار ريال، إلا أن تفاصيل هذه الزيادة تبين أنها لم تذهب إلى القطاع الخاص لكي تساعد في زيادة سيولته ونموه، وإنما ظلت حبيسة بين البنوك في الداخل والخارج، أو أنه تم توظيفها في سندات وأوذنات حكومية وقروض للقطاع العام. وتشير الأرقام إلى أن ودائع البنوك لدى بنوك في الخارج قد ارتفعت في شهر ديسمبر بنحو 19.5 مليار ريال، وارتفعت ودائعها لدى البنوك الأخرى محلياً بنحو 11.4 مليار ريال. وزادت قروض البنوك الخارجية بنحو 4.4 مليار ريال، فيما ارتفعت القروض للحكومة والمؤسسات الحكومية بنحو 8.2 مليار ريال، وزاد رصيد البنوك من السندات والأوذنات الحكومية بنحو 5.1 مليار ريال.

وفي المقابل فإن القروض والتسهيلات الممنوحة للقطاع الخاص قد انخفضت في نفس الفترة بنحو 0.3 مليار ريال، وتركز الإنخفاض على قروض الخدمات والعقارات. وفي جانب المطلوبات زادت ودائع القطاع الخاص عما كانت عليه في نوفمبر بمقدار 0.1 مليار ريال فقط، في حين كانت هناك زيادة كبيرة في ودائع الحكومة والقطاع العام، وفي ودائع البنوك الخارجية لدى البنوك المحلية. هذه الأرقام في مجملها تعكس خللاً واضحاً في توزيع موجودات البنوك، بما لا يساعد على تنشيط أعمال القطاع الخاص، وبما يعمل على تجفيف السيولة اللازمة لتداولات البورصة القطرية.

فإذا أضفنا إلى ذلك عوامل أخرى تصبح الصورة واضحة جلية لأسباب تراجع المؤشر العام وأسعار الأسهم وإجمالي التداولات والرسملة الكلية للبورصة. ومن هذه العوامل ما يتعلق منها بالظروف السياسية وزيادة حدة الاحتقان في موضوع العقوبات على إيران وتهديدها بإغلاق مضيق هرمز إذا ما تم فرض حظر على صادراتها النفطية. ومنها ما يتعلق بالأوضاع الصعبة التي

تنتظر الاقتصاد العالمي في ظل ديون سيادية كبيرة وعجوزات مالية هائلة لدول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.

ووسط هذه الأجواء المحلية والإقليمية والعالمية جاءت توزيعات الشركات على المساهمين بأقل من المتوقع، فعمل ذلك على نشر حالة من عدم الرضا بين المستثمرين، تمثلت في تقليص مشترياتهم من الأسهم وتصفية جزء من محافظهم خوفاً من حدوث المزيد من التراجع في الأيام والأسابيع القادمة. وفي حين كان من المتوقع أن ترتفع تداولات البورصة في هذه الفترة من السنة إلى نصف مليار يومياً فإنها قد انخفضت إلى ما بين 150-200 مليون ريال في المتوسط. وهذا التراجع يعكس إحجام المتعاملين عن الدخول للبورصة لأخذ مراكز جديدة في مرحلة ما قبل توزيع الأرباح على المساهمين، في ظل تراجع تلك التوزيعات من ناحية، واحتمال انخفاض أسعار الأسهم بعد إقرار التوزيعات المقترحة من الجمعيات العمومية. ولا ننسى أن المبيعات الصافية المستمرة من جانب المحافظ الأجنبية تعمل على إضعاف السوق رغم ما تقوم به المحافظ القطرية من مشتريات صافية للتعويض عن ذلك.

على أن هناك من يرى أن السياسة المالية المتمثلة في إصدار سندات وأوذنات حكومية في عام 2011 قد آتت أوكلها ونجحت في امتصاص السيولة الزائدة من الجهاز المصرفي، وأنها إذا كانت قد ساهمت في تراجع تداولات البورصة فإنها قد عملت على ضبط معدل التضخم. وتشير الأرقام المتاحة بهذا الخصوص إلى أن معدل التضخم في قطر قد تراجع في شهر ديسمبر إلى مستوى 2.1% مقارنة بـ 2.15% في شهر نوفمبر و 2.5% في شهر أكتوبر. ويعد هذا الرقم من المستويات المنخفضة جداً على المستوى العالمي، حيث تزيد الأرقام المماثلة في دول مجلس التعاون عن ضعف هذا الرقم حيث تتراوح ما بين 4-6%. ومع ذلك هناك من يرى أن معدل التضخم في قطر يزيد عن 5% ويستند في ذلك إلى استبعاد مكون الإيجار من الرقم القياسي للأسعار الذي درج على التراجع منذ عدة سنوات.

والخلاصة أن تجفيف السيولة بإصدار السندات والأذونات الحكومية منذ بداية العام، وعزوف البنوك عن الإقراض للقطاع الخاص قد ساهم في تقلص نمو النشاط الاقتصادي للقطاع الخاص، وساهمت التطورات السياسية والاقتصادية الإقليمية والعالمية في التأثير سلباً على تداولات البورصة، وقد يستمر هذا التأثير لبعض الوقت قبل أن تستعيد البورصة توازنها. وذلك بالطبع رأي شخصي يحتمل الصواب والخطأ ،،،،،،والله أعلم.