أطلت أزمة الأسمنت من جديد في كبرى المدن بالمملكة خلال الأسبوعين الماضيين ووصل سعر الكيس بغرب المملكة إلى أكثر من عشرين ريالا وحتى الرياض لم تكن غائبة عن هذه الارتفاعات الكبيرة قياسا بسعر البيع من المصانع المحدد عند 13،5 ريالا للكيس لكن هذه الارتفاعات المتكررة ليست استثناءً فهي حالة أصبحت حاضرة لأكثر من مرة كل عام وأصبح من الضروري البحث بأسبابها ومعالجتها جذريا بدلا من السكون الذي يتبع عودة الأمور لطبيعتها وكأننا فقط لا نشاهد إلا ردات فعل فقط، فبالنظر لتوقيت الارتفاع أرى أنه ليس بريئا من منطق التلاعب فقد أتى عقب صدور الميزانية العامة للدولة والتي حملت معها مشاريع بقيمة 265 مليار ريال جلها بالبنى التحتية بالإضافة إلى تخصيص مبلغ 250 مليار ريال لمشروع الإسكان الكبير فإذاً جاء الارتفاع استغلالا واضحا لهذه الأرقام الضخمة بخلاف المشاريع القائم تنفيذها حاليا من ما تم إقراره بالميزانيات السابقة ومشاريع القطاع الخاص، والارتفاع أتى مستندا على مبررات قديمة وهي تعطل بعض خطوط الإنتاج لمصانع كبيرة وهي حالة تم معالجتها وحتى ما تبقى من آثارها لا قيمة له لأن هناك خطوط جديدة دخلت الإنتاج عبر شركات قديمة أو الشركات الجديدة وإلغاء بعض الشركات المصدرة لرخص التصدير نتيجة ارتفاع الطلب المحلي كما أن الشركات المصنعة للأسمنت والتي باعت 46مليون طن العام الماضي مازال لديها فائض سواء منتج سابقا أو فائض بالطاقة الإنتاجية عن حاجة السوق لأن إنتاج الشركات مجتمعة يفوق 50 مليون طن وبالتزامن مع حالة الارتفاع تدخلت وزارة التجارة وألقت القبض على بعض المتلاعبين والذين اتضح أنهم من الموزعين فيما أوضحت تحقيقات صحفية أن عمالة وافدة شكلت الأثر الأكبر من حالات التلاعب هنا لابد من الوقوف على أن المشكلة بارتفاع الأسعار تأتي من الموزعين تحديدا فالمصانع مبرأة بالحقيقة والواقع وتحركت فورا لتوضيح حال السوق ونفت وجود أي مشكلة تبرر ارتفاع الأسعار ووزارة التجارة أكدت ذلك من خلال الكشف عن المتلاعبين من الموزعين، ولذلك أصبح الحل الجذري ضرورة وذلك بدراسة هيكلية السوق من المصنع إلى أن يصل المنتج للمستهلك فمن الواضح أن الخلل يكمن بالمنتصف بين طرفي المعادلة ولابد من إعادة تصحيح هذا الخلل وذلك عبر العديد من القرارات والإجراءات التي يفترض أن تقوم بها وزارة التجارة والشركات المصنعة فأصبح من الضرورة التشجيع على تأسيس شركات توزع كبيرة تنتشر فروعها بكافة المناطق والمدن لكافة مواد البناء فهناك سيولة كبيرة لدى رجال الأعمال وبحث عن فرص للاستثمار لا يهدأ وهذه الشركات لو ظهرت ستشكل ضربة قاصمة لكل المتلاعبين بأسعار الأسمنت وغيره من مواد البناء وبإمكان شركات الأسمنت أن تلعب دورا بتأسيس مثل هذه الشركات وليس أبلغ من أن نذكر بالأعداد المهولة للبقالات ودورها برفع أسعار السلع الغذائية والحال نفسه ينطبق على مواد البناء عندما يسيطر الموزعون الصغار على السوق كما أن دور وزارة التجارة ومسئوليتها كبير جدا وهي تقوم بجهود ملموسة ولكن لابد من رفع مستوى العقوبات وذلك للحد من أي تلاعب وكذلك التنسيق مع أي جهة لها علاقة بوضع المتلاعبين من العمالة الوافدة لكي تتخذ إجراءات رادعة وغليظة بحقهم فهم يعكسون أكثر من خسارة للاقتصاد سواء برفع تكاليف المنشآت وبتحويل هذه الأموال المتحققة من رفع الأسعار للخارج بخلاف إرباك السوق المحلي ولابد من إيضاح حقيقة تأثيرهم وما إذا كانوا يعملون لدى ملاك صوريين للمحلات أو المؤسسات التي تدير عمليات التوزيع.
كما أن ظهور أرقام دورية عن حجم الإنتاج والمخزون من مادة الأسمنت بموقع الوزارة وبوسائل الإعلام سيطمئن السوق وسيلغي دور أي تأثير للإشاعات التي يصدرها المخالفون من الموزعين.
مشكلة ارتفاع أسعار الأسمنت مزمنة دائما يأتي التدخل بردات فعل وإذا ما استمر هذا الحال فإن التلاعب سينتقل بشكل متكرر لسلع أخرى كما حدث بمرات سابقة بالحديد والشعير وغيرها ولذلك لابد من التصدي لهذه الظواهر بشفافية المعلومات عن كل ما ينتج محليا ونشره بشكل دوري ومتجدد بوسائل عديدة تصل المعلومة للسوق بشكل سهل مع كافة الإجراءات الأخرى الأساسية التي تبني سوق السلع من جديد مع ضرورة الوصول لإنشاء بورصة محلية للسلع للقضاء على التلاعب وتصحيح مسار تدفق الأموال للاستثمار وليس للمضاربة المطلقة وخلق الفقاعات السعرية والإضرار بالاقتصاد الوطني.
ماشــاء الله .... مقالين عن أزمة واحــدة " الإســـمنت " ؟؟؟؟!!!!