الضغوط الاقتصادية عامل حاسم في إنجاح الثورة السورية

04/12/2011 2
بشير يوسف الكحلوت

رغم أن انتفاضات الشعوب العربية قد تشابهت في منطلقاتها وأهدافها وتقاربت من حيث أزمنة اندلاعها، بما جعلها توصف مجتمعة بثورات الربيع العربي، إلا أنها قد تمايزت واختلفت في مساراتها وفي انجازاتها نتيجة اختلاف ظروف كل منها ومقدار التحديات التي واجهتها. وفي حين كان انتصار الثورتين التونسية والمصرية سريعاَ بضغط الشارع وبدون مواجهات مسلحة تُذكر مع السلطات الحاكمة، فإن الثورة الليبية لم تنتصر إلا بعد حرب ضروس امتدت لنحو سبعة شهور وبتكلفة مالية ضخمة ناتجة عن عمليات الناتو الجوية وتدمير البنية التحتية وتوقف صادرات النفط والغاز، وتوقف الحياة الاقتصادية في كثير من المرافق وهجرة مئات الألوف من العاملين الأجانب إلى الخارج. ولم تصل الثورة اليمنية حتى الآن إلى بر الأمان رغم توقيع الرئيس على المبادرة الخليجية، ولا زال أنصار الرئيس في الحرس الجمهوري والجيش يعرقلون الوصول إلى تسوية نهائية للأزمة بافتعال مواجهات مسلحة مع المتظاهرين بما يزيد من معاناة الناس ويضع الاقتصاد اليمني على حافة الانهيار.

ويبدو الأمر في سوريا مختلفا في تعقيداته وإن كان في المحصلة أقرب إلى المشهد اليمني من حيث كونها ثورة سلمية تتوزع في المدن والقرى، في مواجهة مع الشبيحة والعناصر المسلحة من الجيش والشرطة الموالية للنظام. ويدعم الثورة آلاف متزايدة من القوات المنشقة، ومعارضة سياسية في الخارج توحدت في مجلس وطني يدير فعاليات الثورة، ويحشد الدعم العربي والدولي لها. وتختلف الثورة في سوريا عن ثورة اليمن في أن المعارضة الداخلية في سوريا غير موجودة أو غير فاعلة مقارنة بالمعارضة اليمنية ذات التنوع الكبير، وإن كانت التضامن مع الثورة السورية أكثر فعالية منه في الحالة اليمنية، وخاصة من جانب الجامعة العربية وتركيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. ولا يحول دون نجاح هذا التجمع الحاشد في استصدار قرارات حاسمة ضد النظام السوري إلا الموقفين الروسي والصيني في مجلس الأمن. ورغم صعوبة وضع الثورة في سوريا، إلا أن المتتبع لمسارها في الشهور الثلاثة الأخيرة يجد أنها تتحرك إلى الأمام بخطى ثابتة وأنها تحقق كل يوم المزيد من النجاحات على الأرض، ويتجلى ذلك في زيادة وتيرة التضحيات وأعداد الشهداء الذين يسقطون يومياً في الساحات، وتنامي أعداد المنشقين المنضمين لجيش سوريا الحر. وفي المقابل يخسر النظام يومياً نتيجة إرباكه اليومي في مواجهات لا تنتهي رغم قسوته في مواجهتها، ونتيجة تعاظم العقوبات التي يتم فرضها على مؤسساته المالية والاقتصادية وعلى أزلامه، وأركان حكمه.

ومن الواضح أن الضغوط الاقتصادية على النظام السوري سوف تلعب دوراً رئيسياً في إسقاط نظام بشار الأسد وحزب البعث، وهو ما لم يحدث في أي ثورة عربية أخرى. فمع التسليم بأن روسيا والصين لن توافق على تمرير أي قرار لضرب سوريا عسكرياً أو حتى فرض مناطق حظر جوي فوق أراضيها، ومع التسليم بأن النصر لن يتأتى من معارك عسكرية بين الجيش الحر والجيش النظامي لاختلال التوازن العسكري في العدد والعدة لصالح الأخير، لذا فإن انتصار الثورة في سوريا سوف يكون محصلة لعدة عوامل أهمها استمرار الاحتجاجات الشعبية ووصولها إلى نقطة اللاعودة، وتزايد الانشقاقات عن الجيش بما يساعد على تأمين أكبر لجموع المتظاهرين، وتوحد أكبر للمعارضة في الخارج حتى تلعب دورها المطلوب في قيادة المسيرة، ثم-وهذا هو الأهم-تنامي الضغوط الاقتصادية العالمية على النظام حتى يفقد قدرته على الصمود فينهار.

لقد أدت مقاطعة صادرات النفط السوري من النفط حتى الآن إلى تراجع الإنتاج فعلياً إلى 240 ألف برميل يومياً مقارنة بـ 370 ألف ب/ي قبل الثورة، وذلك سيؤثر حتماً على القدرات المالية لأركان النظام. ومع تفعيل عقوبات الجامعة العربية وتركيا المتصلة بمقاطعة التعامل مع بنك سوريا المركزي، وبعض بنوك الدولة التجارية، فإن الحصار سوف يضيق على النظام ورجالاته. كما سيتأثر النظام أكثر بوقف الرحلات الجوية لشركات الطيران العربية إلى سوريا، وهو ما سيؤدي إلى انكماش السياحة وتقليص أحجام التبادلات التجارية مع دول العالم. وبالنتيجة فإن هذه الأوضاع المستجدة سوف تؤثر سلباً على فئات التجار ورجال الأعمال التي لا تزال تدعم النظام في بعض المناطق الرئيسية في دمشق وحلب واللاذقية، وهذا ما سيدفع الكثير منهم إلى تجميد أعمالهم والسعي إلى نقل أموالهم إلى خارج سوريا، فيزداد الوضع الاقتصادي سوءاً، وتكون هذه بداية النهاية لحكم البعث في سوريا. ولا بد أن أشير في الختام إلى أن مسار الثورة يبدو صعباً ومليئا بالتضحيات، وقد يحتاج الأمر إلى دعم عربي كبير، على المستويين الشعبي والرسمي حتى تصل سفينة الثورة السورية إلى بر الحرية والانتصار.