في إشارة واضحة إلى رغبة أمريكا في تعزيز علاقاتها عبر المحيط الهادئ، قام الرئيس الأمريكي باستضافة كل من الرئيس الصيني والياباني في جزيرة هاواي. فعبر الأطلسي، تبدو أوروبا غارقة في مستنقع من الديون قد يأخذ أكثر من عمرها عقد كامل لتتعافى منه. وبالإضافة إلى ذلك، فإن أوروبا تعتمد على قدراتها الإبداعية في الاختراع والتجديد خارج نطاق الاقتصاد الحالي، بعكس دول الشرق الصاعدة التي تعيش اليوم أوج الثورة الصناعية الثانية. ولذلك يرى الرئيس الأميركي في استقرار نمو اقتصاديات دول الشرق فرصة لدعم اقتصاد دولته المتهالك. فحتى اليوم لا توجد أي إشارة واضحة لخروج الولايات المتحدة من أزمتها الاقتصادية رغم انخفاض آخر رقم لمعدل البطالة إلى 9%.
الملك عبدالله بن عبدالعزيز بدأ هذا التوجه قبل بداية الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2006، فقام بزيارة كل من الصين وماليزيا وباكستان والهند. وقد نتج عن هذه الزيارة زيادة كبيرة في حجم التبادل التجاري بين المملكة وهذه الدول، وبخاصة في المجال النفطي، حيث أصبحت هذه الدول الشرقية تمثل الشريحة الأهم من مستوردي الخام السعودي. ولكن جهود تنمية العلاقات السعودية مع دول الشرق أصابها الجمود جراء الأزمة الاقتصادية العالمية، فتوقفت عند ما وصلت إليه. صحيح أن القطاع الخاص يسعى إلى تعزيز هذه العلاقات، وبخاصة مع الصين، باستيراده البضائع الاستهلاكية عوضا عن التعامل مع البضائع الأوروبية المرتفعة التكلفة، ولكن القطاع الخاص وحده غير قادر على تطوير العلاقة إلى ما هو أبعد من حدود التجارة البينية.
اليوم نجد نفسنا أمام فرصة من الضروري استغلالها لتعزيز اقتصادنا وتوسيع النفوذ السعودي على المستوى العالمي. فشبه القارة الهندية بحاجة ماسة إلى استثماراتنا لتتمكن من النهوض والتحول إلى صين ثانية. وفي تعزيز النمو الهندي وقاعدته الصناعية فرصة للسعودية لضمان استقرار أسعار النفط ومنتجاته وزيادة الطلب المستقبلي عليه. فالصين تحاول جاهدة تنويع مصادر الطاقة لديها، إضافة إلى استثمارها الكثيف في تقنيات النفط غير التقليدي. ولذلك فإن شراكة من نوع خاص بين الاقتصاد السعودي ونظيره الهندي تعتبر فرصة ذهبية تمكن البلدين من تطوير قاعدتيهما الصناعية بما يتوافق مع طموح واحتياجات البلدين، فتستفيد السعودية من استيراد منتجات استهلاكية أقل تكلفة من مثيلاتها الصينية، مع توفير المزيد من فرص العمل على الأراضي السعودية عبر التخصص في صناعات تحويلية جديدة يحتاجها الاقتصاد الهندي. وإلى جانب إمكانية التوسع في الاستثمارات الزراعية لضمان الأمن الغذائي للسعودية.
إن عودة أميركا إلى الشرق إشارة لنا أيضا على ضرورة العودة إلى الشرق بزخم أكبر.