من النظرية إلى التطبيق – ملخص مقترح التكامل الثلاثي لمستقبل الطاقة في سوريا

30/11/2025 0
د. إبراهيم بن محمود بابللي

إن تحديث منظومة توليد ونقل وتوزيع الكهرباء السورية يتطلب استثمارات ضخمة، وقد لا يكون تحديث المنظومة الحالية وبناء منظومة جديدة تقليدية هو الحل الأمثل. ونعتقد أن الحل الأمثل للوضع الحالي في سوريا يكمن في إطلاق مبادرة شبكة التوليد والتوزيع الصغيرة (جُزُر الطاقة)، بحيث يستهلك الحي جُلّ الكهرباء المولّدة داخل الحي/القرية من الطاقة الشمسية. وبتكامل الأحياء/القرى، سيكون توزيع الكهرباء أكثر اتساقاً مما إذا كان كل حيٍ/قرية منفصلاً عن جيرانه. وتعمل هذه المبادرة بالتوازي مع إعادة تأهيل منظومة التوليد الحالية وتوجيهها لدعم القطاع الصناعي، وغيره من القطاعات كثيفة الاستهلاك للطاقة.

إن أكبر تحدٍ يواجه هذا المقترح هو الحاجة لتخزين الطاقة لاستخدامها في الأوقات التي لا يمكن توليدها فيها. ولأن التخزين مكلف جداً، فإننا نقترح أن يكون التخزين مبنياً على منظومة يحتاجها الجميع، ومنتشرة في كل مكان، وهي منظومة النقل الخفيف. فإذا حوّلنا غالبية منظومة النقل الخفيف إلى السيارات/الحافلات/الشاحنات الصغيرة الكهربائية، فإن مجموعها سيكون بطارية موزعة تحل مشكل تخزين الكهرباء، إلى حد كبير، ولا تتطلب استثماراً مستقلاً في تخزين الطاقة. وفي المقابل، فإن منظومة النقل الخفيف ستستفيد من منظومة الطاقة الشمسية بالحصول على كهرباء نظيفة وغير ملوّثة، ولا تتأثر بانقطاعات الكهرباء من الشبكة الوطنية.

إن ما نقترحه طموحٌ جداً، لا شك في ذلك. تستهدف دول الاتحاد الأوروبي إسهام منظومة التوليد المحلي (Mircogrids) نسبة 21% فقط من إجمالي توليد الكهرباء بحلول عام 2030، لأن إحلال منظومة التوليد المحلي مكان المنظومة التقليدية للتوليد والنقل والتوزيع في الاتحاد الأوروبي صعب جداً ومكلف، وكذلك في الدول الأخرى التي يوجد لديها منظومة متكاملة. ولكن وضع سوريا مختلف بسبب قِدم المنظومة وتدمير أجزاء ضخمة منها، مما يجعل فرصة إحلال منظومة التوليد المحلي أكثر قابلية للنجاح من غيرها من الدول. وتستطيع سوريا استهداف توليد 60-80% من إجمالي الكهرباء للقطاعين السكني والتجاري من منظومة التوليد المحلي (جزر الطاقة والشبكات المحلية) بحلول عام 2030.

إن نجاح منظومة التوليد المحلي يتطلب صياغة وتطبيق سياسة وطنية لإحداث تحوّل منهجي وشامل في آلية توليد واستهلاك الكهرباء للقطاع السكني. وتتميز خطة التكامل الثلاثي المقترحة بثلاثة عناصر رئيسة:

1.تقليل الاستثمار في منظومة التوليد والنقل والتوزيع التقليدية بشكل كبير، مع تجنب الفقد في المنظومة، مع إعادة توجيه تركيز المنظومة الحالية إلى تطوير ودعم القطاع الصناعي.

2.تقليل الأثر البيئي لتوليد الكهرباء والنقل الخفيف بشكل كبير، مع حل مشكلة الطاقة الشمسية باعتماد حل اقتصادي لتخزين الكهرباء.

3.تطبيق المقترح سيخلق قطاعات جديدة ووظائف نوعية، وصناعات حديثة ذات أهمية كبيرة، ومحتوى محلّي لا تقل نسبته عن 40-60% من القطاعات المستهدفة بحلول عام 2030م.

التوصية الأساسية هي تشكيل فريق عمل لدراسة الاقتراح وتصميم خطة تنفيذية واقتراح الإطار التنظيمي لإطلاق هذه المبادرة، ثم البدء بمنطقة تجريبية نموذجية قبل التعميم على مستوى البلاد. سوريا أمام فرصة ذهبية لتصبح رائدة في مجال طاقة المستقبل. 

خاتمة:

هدفت سلسلة المقالات هذه لاقتراح خطة عمليّة طموحة لبناء مستقبل طاقة مستدام في سوريا، ولإطلاق حوار حول هذا الموضوع ووضع خارطة طريق عملية. إن مستقبل الطاقة في سوريا لا يجب أن يكون نسخة مكررة من الماضي، بل يمكن أن يكون انطلاقة نحو اقتصاد أخضر، مستدام، بل ممكّن وداعم للاقتصاد السوري بقطاعاته المختلفة. 

والله من وراء القصد. 

 

خاص_الفابيتا