اقتصاد العالم يتحمل تكاليف باهظة فيما يسمى بالتأمين على الشحن والنقل. على أن جزءا كبيرا من هذه المصاريف لقاء مخاطر القرصنة البحرية والجوية والبرية. في وقت لو تكاتف فيه العالم لمواجهة زمر القراصنة واللصوص، لانخفضت هذه التكاليف على المستهلك الأخير. كما أن تكلفة ذلك المجهود على الاقتصاد العالمي ستكون (وبلا أدنى شك) أقل بكثير من التكلفة الإجمالية لهذا النزيف. صحيح أن هذه التكاليف لن تنعدم لتصل للصفر، لكنها (على الأقل) ستنخفض إلى أعشار ما هي عليه الآن، والأمر يحتاج فقط إلى قناعة وإرادة على مستوى المنظمات الاقتصادية العالمية، بدل هذا التخاذل في مجال مواجهة الجريمة.
ليس هذه وحسب.. بل إنه في دول الغرب، وبالأخص في بريطانيا وأميركا، هناك تهاون في ردع مرتكبي جرائم النشل وسرقات المتاجر من المراهقين والشباب. ففي بريطانيا، قامت ضجة إعلامية وحقوقية ضد حكم قضائي صدر بسجن طالب عمره «23 عاما» لمدة ستة أشهر لقيامه بسرقة صندوق مياه من سوبر ماركت «ليدي» في لندن.
وأخذت تتحدث عنها المنظمات والهيئات الإنسانية والحقوقية والاجتماعية، حتى على مستوى الأحزاب السياسية، فقد علق على الحادثة السيد «توم بريك» الناطق باسم الشؤون المحلية لدى الديمقراطيين بقوله «إن المحاكم تسير على الطريق الخاطئ إذا كانت تعتقد أن حكما متشددا على مخالف للقوانين للمرة الأولى ارتكب مخالفة صغيرة نسبيا»، ملمحا إلى أن مثل هذه الأعمال العادية ليست بالأمر الخطير!. كما كشفت دراسة بريطانية أجريت (خلال هذا العام) على 10 آلاف من المراهقين من مختلف البيئات، عن أن 9 في المائة منهم يرون أن سرقة المتاجر جائزة.
أما في الدول العربية، فما زالت هناك آراء تتماوج بين الصرامة في التطبيق لردع المرتكبين، وبين تكييف الظروف والأوضاع للممارسات الخاطئة ودرجة تأثيرها الفاعل سلبيا على المجتمع ولو بشكل مؤقت، واعتباره تأثيرا عرضيا. ففي حديث لرئيس لجنة تأجير السيارات بغرفة جدة «سعيد البسامي» أبدى أسفه على لائحة نشاط تأجير السيارات الأمنية والتراخيص التي لا تعتبر هروب المستأجر بالسيارة حالة سرقة، مطالبا بتجريم مثل هذه الأعمال ومرتكبيها، منوها بأن مثل هذه الممارسات تكبد المستثمرين خسائر مالية فادحة. بمعنى أن من يستأجر سيارة ويفر بها لا يعتبر سارقا.
ومن الواضح أن هناك تهاونا قضائيا على مستوى العالم في هذا الشأن، نلاحظه حتى في غموض تعريف الجريمة (felony) بأنها «كل انحراف عن المعايير الجمعية التي تتصف بقدر هائل من الجبرية والنوعية والكلية»، بمعنى أنه لا يمكن أن تكون جريمة إلا إذا توافرت فيها قيمة محل اعتبار (تقدره الجماعة وتحترمه)، وأنها جبرية أي عدائية وذات نوع تستنكره الجماعة. وتختلف الجريمة عن الجنحة misdemeanor في التصنيف القانوني من حيث جسامة الجريمة الخطيرة وتكون عقوبتها الحبس لمدة طويلة.
والذي أعتقده أن لمثل هذا التهاون آثاره السلبية على الاقتصاد العالمي، كونه يزيد من تكلفة السلع والخدمات على المستهلكين، بسبب ممارسات هؤلاء القراصنة والنشالين، لأن السلع التي نشتريها من الأسواق مضاف إلى تكلفتها هذه الخسائر المحتملة.