بداية.. أنا على قناعة بأن مساهمة القطاع المصرفي في خدمة المجتمع في وضع أفضل مما كانت عليه. ورأيي في هذا الشأن سبق أن ذكرته، وملخصه أن مشاركة البنوك في خدمة المجتمع ينقصها التقنين.. حتى يُعرف ما يجب على كل منشأة أن تقدمه خدمة للمجتمع. وأقصد بكل منشأة هنا البنوك وبقية الشركات المساهمة والمؤسسات الفردية الكبيرة، بحيث تصدر أنظمة تحدد ما لهذه المنشآت وما عليها تجاه المجتمع، وحتى نفرق بين المسؤولية الاجتماعية والعمل الخيري والزكوي.
والذي يحضرني الآن في هذا الخصوص، أننا في المجتمعات العربية بوجه عام والخليجية بوجه خاص، نفتقد لثقافة التمويل المصرفي للمنح الدراسية المحلية والبعثات الخارجية!.. على عكس مما هو موجود في المجتمعات الغربية وفي أميركا خاصة، حيث إنك عندما تلتفت لزملائك في مقاعد الدراسات العليا وتسألهم عن مصدر تمويلهم، تجد الغالبية يحضرون الدراسات العليا إما بمنح أو بتمويل من البنوك التي يتعاملون معها! وسؤالي هنا: لماذا لا تشيع وتنتشر ثقافة التمويل المصرفي للمنح والبعثات الدراسية المحلية والخارجية؟!.. بل: لماذا لا تبحث البنوك عن الطلبة المتفوقين في التخصصات الجامعية النادرة وتمنحهم تسهيلات في شكل قروض مصرفية ميسرة، خصوصا ممن يحصلون على قبول لاستكمال دراساتهم العليا في جامعات عريقة، فهؤلاء قبل أن يحصلوا على القبول، لا شك أنهم مميزون ومشاريع لعباقرة شابة، وأنهم يتخطون اختبارات القياس والمهارات الشخصية وامتحانات اللغة ومختلف متطلبات وشروط القبول المتقدمة، إما لكي تستقطبهم البنوك للعمل لديها أو ربما للعمل في سوق العمل المحلية، خدمة للمجتمع الذي ينتمون إليه؟ وعلى سبيل المثال: لماذا لا تمنح البنوك الضمان البنكي (بتسهيلات مميزة) للطلبة المبتعثين للخارج، من المتفوقين الحاصلين على قبول في تخصصات مثل الطب والطيران والهندسة وما شابهها؟
البنوك لديها مجالات رحبة حتى في مجالات التأليف والفن والرياضة.. فمؤلف الكتاب الذي يحتاج لتمويل حتى يصدر كتابه ليخدم به المجتمع، أو الرسام الذي يطمح في إقامة معرض دولي أو محلي ويحتاج إلى تمويل حتى يبيع معروضاته، أو اللاعب الموهوب صغير السن في مدارس كرة القدم الذي يحتاج إلى عناية خاصة من التدريب لصقل موهبته، أو أبطال القوى واختراق الضاحية ومتسابقو السيارات والدراجات النارية ومغامرو العروض البهلوانية.. مثل هذه المواهب لا أجد ما يمنع من تمويلهم ليحققوا أهدافهم.
وهناك أفكار شابة لبحوث علمية ومؤلفات لا ترى النور، وهناك معارض لرسامين وسيناريوهات لكتاب مسرحيات اجتماعية توأد في مهدها، وهناك موهوبون في مختلف نواحي الإبداع العلمي والأدبي والرياضي يحرم منها المجتمع بسبب غياب التمويل. وأذكر منها ما سبق وتحدثت عنه الصحافة السعودية في مجال صناعة السيارات.. ويبدو أن المجال الصناعي يزخر بالعديد من الأفكار والمفكرين المحتاجين للتمويل.
وختاما.. قد يقول قائل إن هناك جهات رسمية معنية بهذا الشأن. وإجابتي عن ذلك أن مشاركة المصرفي في تمويل ودعم هذا المجال لا تتعارض مع دعم الجهات الرسمية بل تساندها وتدعم مساعيها.. على طريق خدمة المجتمع الذي تمارس نشاطها فيه.
انا افكر اقول لماذا نعتقد دائما ماهم عليه هو الصحيح. عندما دعمت الحكومة برامج التعليم الصحي ارتفعت تكلفتها من 30 الف الى 50 الف ريال والنتيجة اغلقت اليوم اغلب المعاهد وفاض عدد الخريجين في بعض المجالات الصحية واستنزفت جيوب الطلاب الغير حاصلين على التمويل. كان من الافضل ان نقول ان البنوك يجب عليها ان تختار كل عام لنفرض 300 شخص للابتعاث على حسابها ببرامج دعم المجتمع مثلما يعمل البنك البريطاني للماجستير. ويكون خطتهم السنوية هي خدمة المجتمع من الاضافة الى كيانه طلاب حملة شهادات من تخصصات وجامعات مرموقة يخدمون وطنهم وتحمل البنك تكلفة تعليمهم ومكافاة معيشتهم ومصروفاتهم طوال فترة الدراسة. أتمنى ان لا تقدم البنوك على تمويل البرامج التعليمية لانه الان عندهم يناقشون المبالغة الباهظة في تكاليف التعليم وبالرغم من ان الكثير من الجهات التعليمية سوف تدخل السوق اذا فتح مجال التمويل الا اننا قد نودع التعليم المجاني للأبد. والله أعلم.