ما القيمة الحقيقية لشركة دار الأركان؟

04/09/2011 30
د. فهد الحويماني

كثير ممن حاول تقييم سعر شركة دار الأركان اصطدم بتناقضات لم يستطع تفسيرها ولم يستطع تفسير سبب نزول سعر السهم إلى حوالي 80% من سعر الإكتتاب، وهذا يقود إلى طرح عدد من التساؤلات الهامة الموجهة بالمقام الأول لهيئة سوق المال ومن ثم إلى إدارة الشركة، وأتمنى من الهيئة الموقرة الإجابة عن هذه التساؤلات حيث إن الهيئة هي من أجاز شركة دار الأركان لطرح أسهمها في السوق وتداوله من قبل كافة المستثمرين. من يقوم بتحليل شركة دار الأركان للتطوير العقاري سيفاجأ بعدد من الاستفسارات التي لن يجد لها جواب شافياً من خلال ما هو متوفر من بيانات مالية رسمية، بل سيصاب بحيرة شديدة لما سيراه من أرقام ولن يستطيع شرح تدهور سعر الشركة منذ نزولها في سوق الأسهم السعودية. ولكي لا يكون هذا الكلام عشوائي سأقوم بتلخيص وضع الشركة حسب آخر بيانات مالية (منتصف عام 2011م) ومن ثم أوجه بعض الأسئلة علها تجد إجابة شافية من هيئة السوق المالية الموقرة.

غني عن القول ما سأذكره هنا ليس توصية شراء ولا بيع، بل مجرد تحليلات بسيطة بناء على ما هو متوفر من معلومات وأطرح استفسارات هامة كثير من المحللين تساءل عنها بشكل أو آخر ولم يجد أحد إجابة عنها.

1. طرحت الشركة للتداول في يوم 29/12/2007م بافتتاح بسعر معدل يساوي 40 ريال للسهم الواحد، وبسعر طرح معدل يساوي 28 ريال سعودي، واستمر السعر بالنزول المتواصل منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم ليصل سعرها الحالي عند 6.10 ريال، أي نزول بنسبة 85% من أعلى سعر ونزول بنسبة 78% من سعر الإكتتاب.

2. بعد أن طرحت الشركة للإكتتاب أفادت بياناتها المالية المنتهية في 2007م أن الشركة لديها أصول إجمالية بمقدار 18.3 مليار ريال وإجمالي مطلوبات بمقدار 7.3 مليار، مما يعني أن القيمة الدفترية تساوي 11 مليار ريال (أي القيمة الدفترية للسهم الواحد حسب عدد الأسهم الحالية يساوي 10.20 ريال، مما يعني أن الشركة ثمنت بحوالي أربعة أضعاف قيمتها على الورق).

3. في منتصف عام 2011م بلغت الأصول الإجمالية 23.8 مليار ريال، وإجمالي المطلوبات 8.7 مليار ريال، مما يعني أن القيمة الدفترية تساوي 15.1 مليار ريال (أو القيمة الدفترية للسهم الواحد حسب عدد الأسهم الحالية يساوي 14 ريال).

4. يتضح أن الأصول نمت بنسبة 30% خلال 3 سنوات ونصف، وإذا أضفنا إليها الأرباح الموزعة خلال هذه الفترة (1.6 مليار في عام 2008 ومبلغ 1.08 مليار ريال في عام 2010م) نستطيع أن نقول إن الأصول إرتفعت بنسبة 45% وهذا معقول نسبياً إذا أخذنا في الإعتبار أن الأرباح المتبقية للشركة يتم شراء أصول جديدة بها بأسعار عالية نسبياً بسبب إرتفاع أسعار العقار خلال هذه الفترة في المملكة. بمعنى آخر، ارتفعت الأصول نتيجة أرباح تراكمية بلغت حوالي 8.5 مليار ريال، وزع منها حوالي 2.7 مليار كأرباح والباقي تم استثماره في الشركة.

5. انخفض صافي الربح بحوالي 75% منذ الطرح، وانخفضت التدفقات التشغيلية من 9.6 مليار بنهاية عام 2007م بشكل متواصل إلى 1.2 مليار بنهاية 2010م، الأمر الذي يعني أن مقدار الكاش السنوي الناتج من عمليات الشركة انخفض بنسبة 88%، وهذا يتماشى مع انخفاض ربحية الشركة الناتج عن انخفاض المبيعات من أراضي وفلل وغيرها، ولكن هل انخفاض المبيعات بسبب عدم رغبة الشركة في البيع أم بسبب عدم توفر ما يمكن بيعه؟

6. انخفض الصرف الرأسمالي (التدفقات الاستثمارية) من حوالي 11 مليار في سنة الطرح (2007م) إلى أن اختفى تماماً في عام 2011م. هذا يعني أن الشركة لم تعد تصرف على استثماراتها من شراء الأراضي وتطويرها ونحو ذلك، ولا بأس في ذلك إذا كانت الشركة قد وصلت إلى مرحلة متقدمة من البناء والتطوير، ولكن هل هذا بالفعل وضع الشركة؟

7. مما هو متوفر من معلومات فإن أهم مشاريع الشركة هي مشروع شمس الرياض بمساحة 5 مليون م2 (نسبة الإنجاز حسب تقدير الشركة بنهاية 2010م حوالي 30%)، وشمس العروس بمساحة 3 مليون م2 (مطورة ولكن لم يتم البناء عليها بعد)، وتطوير منطقة خزام في جدة (بتكاليف تصل إلى 12 مليار ريال، ولم ينجز إلا شيئ قليل منها). أما مشروع القصر وملحقاته فهو شبه مكتمل وتم بيع حوالي 90% من الفلل والشقق المعدة للبيع وتحتفظ الشركة بأجزاء أخرى للبيع مستقبلاً والتأجير، ومشروع التلال في المدينة المنورة على مساحة 2.2 مليون م2 تم بناء 499 فلة بيع معظمها وبقي مراحل لاحقة للمشروع، وهذه المعلومات حسب إفادة للشركة في آخر اجتماع للجمعية العامة السنوية.

8. الشركة لديها ديون مستحقة السداد في عام 2012م بحوالي 5 مليار ريال، ولكن لدى الشركة أصول جارية حسب منتصف 2011م بحوالي 4 مليار ريال وهي تشمل نقدية وذمم دائنة ومشاريع قصيرة الأجل من الممكن بيعها سريعاً، هذا يعني إن الشركة قد لا يكون لديها صعوبة في تسديد القرض، ولكن إذا ذهبت هذه الأموال في تسديد القرض فكيف ستستطيع الشركة الصرف على مشاريعها؟

9. من إجل إكمال التحليل أشير إلى أن العائد على الأصول انخفض من حوالي 11% في سنة الطرح إلى حوالي 2.40% في منتصف 2011م، وتفسير ذلك أن الأصول تنمو ولكن المبيعات تنخفض (ومرة أخرى هل المبيعات تنخفض بسبب عدم رغبة الشركة في البيع أم بسبب نضوب الأصول الصالحة للبيع؟). ولنفس الفترة انخفض العائد على حقوق المساهمين من حوالي 18% إلى حوالي 6% (بسبب نقص المبيعات وانخفاض هامش الربح)، ونسبة المطلوبات إلى حقوق المساهمين ارتفعت من 67% إلى 94%، وارتفعت نسبة المطلوبات إلى إجمالي الأصول من حوالي 40% إلى حوالي 49%.

أين المشكلة؟

المشكلة إن سعر السهم في السوق لا يصدق هذه البيانات على الإطلاق، والمعروف إن سعر السوق هو الحكم النهائي لأي سلعة، خصوصاً إذا كان السعر في هبوط مستمر على مدى ثلاث سنوات ونصف.

بحسبة بسيطة نجد إنه إذا كان بالفعل لدى الشركة أصول مسجلة بسعر التكلفة (كما هو العرف المحاسبي) بأكثر من 23 مليار ريال، فمن المفترض أن تكون القيمة السوقية لهذه الأصول في منتصف عام 2011م لا تقل عن حوالي 35 مليار ريال، وذلك على فرض إن أسعار العقارات المملوكة من قبل الشركة ارتفعت بنسبة 50% بالمتوسط، وهذا تقدير معقول من وجهة نظري حيث إننا نعرف إن أسعار العقار ارتفعت بأكثر من الضعف خلال هذه الفترة في المملكة. إذاً نظرياً يجب أن يقيم سعر الشركة ككل بحوالي 26.3 مليار بعد خصم إجمالي المطلوبات (35 مليار ناقص 8.7 مليار = 26.3 مليار ريال)، مما يعني أن سعر السهم المنطقي يجب أن يكون حوالي 25 ريال للسهم الواحد.

ما المطلوب؟

المطلوب من هيئة سوق المال مساءلة الشركة عن واقع أصولها وكيف تم تسجيلها بمبلغ 23 مليار، وهذا أبسط مطلب ممكن أن تقوم به الهيئة من شركة مدرجة في سوقها. والسؤال الأهم هو كيف تمت عملية تقييم الأصول عندما تقدمت الشركة لهيئة سوق المال في عام 2007م؟ أليس من المفترض أن تقوم الشركة بجرد أصولها بشكل كامل أمام الهيئة صكاً صكا؟ ومن ثم قيام الهيئة بطلب تقييم مستقل من 3 جهات محايدة لقيمة تلك الأصول؟ في الواقع إن عملية تقييم الأصول العقارية أبسط بكثير من تقييم أي شركة أخرى، فمثلاً عند تقييم شركة تعمل في المجال الصناعي لديها مصانع وأجهزة ومعدات معقدة غير معروفة السعر وسوقها خاضع لقوى عرض وطلب متقلبة، فيكون من الصعوبة وضع سعر عادل لتلك الشركة، فيتم تقييم أصولها بقيمتها الدفترية المعدة من قبل الشركة ويضاف إلى ذلك مقدار التدفقات المستقبلية المتوقعة، وتخفض إلى القيمة الحاضرة، وهذه يكون عادة فيها وجهات نظر مختلفة تبعاً لنظرة المقيم لمستقبل الشركة.

أما في الأصول العقارية فالقيمة الدفترية سهلة التقييم، نظراً لكونها أصول أسعارها شبه معروفة وبفارق بسيط، ونسبة النمو المتوقع كذلك معروفة بشكل دقيق إلى حد كبير. لمزيد من الإيضاح، معروف إن الأراضي ترتفع أسعارها بنسبة 10 إلى 20% سنوياً بالمتوسط ونسبة الربح من المباني المطورة تتفاوت من 20 إلى 30% بالمتوسط. فهل قامت الهيئة بالاستقصاء النافي للجهالة والتأكد من واقع أصول الشركة وصحة التقييم الممنوح للشركة؟ هل اعتمدت هيئة السوق على تقييم صناديق الاستثمار التي بدورها اعتمدت على قيام الهيئة بما يجب القيام به؟ لا أعلم هل تم ذلك ام لا، هذه تساؤلات تفيد الإجابة عنها في تفسير ردة فعل المستثمرين السلبية لسهم الشركة.

لكن دعونا نفترض أن الهيئة قامت بما يجب القيام به، وإنها لم تسمح للشركة بطرح أسهمها إلا بعد التأكد من حقيقة تلك الأصول وقيمها التقريبية. هذا يعني إن الأصول الظاهرة بنهاية عام 2007م والمسجلة بسعر 18 مليار ريال والتي نمت إلى أن وصلت قيمتها إلى 23 مليار هذا العام يجب أن تكون بالفعل موجودة على أرض الواقع، ولكن أين هي؟ الذي نعلمه من خلال بيانات الشركة أن لديها 5 مشاريع فقط وهي شمس الرياض، وشمس العروس، وتطوير قصر خزام، ومشروع التلال، ومشروع القصر وملحقاته. وعند قيامنا بإجراء حسبة بسيطة ومن باب التفاؤل تضخيم قيمة أصول الشركة لتكون أعلى من تقييم الشركة حسبما أدلت بها في جمعيتها العمومية ولقاءات أخرى، نستطيع أن نقول إن شمس الرياض تستحق 5 مليار ريال (على فرض إن سعر المتر الواحد في منطقة صلبوخ يصل إلى 1000 ريال)، وشمس العروس تستحق 3 مليار ريال (على فرض إن سعر المتر الواحد 1000 ريال)، والقصر وملحقاته بـ 4 مليار ريال ومشروع التلال ربما بـ 2 مليار (الذي نعرفه إن المستهدف بناء 499 فيلا ولم يبنى إلا عدد قليل منها)، وقصر خزام لا نعلم حصة دار الأركان فيه عدا إنه مناصفة مع شركة جدة للتطوير العمراني وسيكلف حوالي 12 مليار ريال ويتطلب نزع ملكيات لستة آلاف عقار، وهذا المشروع أتى بعد الاكتتاب في الشركة، ولكن ممكن القول جدلاً إن ملكية دار الأركان فيه تستحق 3 مليار ريال.

إذاً نجد إن قيمة جميع هذه المشاريع تصل إلى حوالي 17 مليار ريال بسعر اليوم، يضاف إليه حوالي 4 مليار أصول جارية، فتكون القيمة السوقية الإجمالية للشركة حوالي 21 مليار ريال، بينما المفترض أن تكون قيمتها السوقية اليوم 35 مليار ريال كما بينت أعلاه، هذا يعني أن هناك أصول قيمتها السوقية اليوم بحدود 14 مليار لم تفصح عنها الشركة أو أنها غير موجودة.

الخلاصة

من حق المساهمين مطالبة هيئة سوق المال بطلب جرد كامل لأصول الشركة، وإذا كان هناك عقارات لا ترغب الشركة بالإفصاح عنها لأسباب تجارية وتنافسية، فيجب أن تطلب هيئة سوق المال من الشركة إبراز ما يثبت تملكها لتلك الأصول ومساحاتها وأماكنها بشكل عام، ليتمكن المستثمر من الإطمئنان على سلامة استثماره في هذه الشركة. الأمر الآخر، إنه فيما لو كانت التقديرات أعلاه معقولة (وهي مجرد تخمينات من قبلي لا أعلم عن صحتها) فهذا يعني أن القيمة الدفترية "الحقيقية" للشركة تساوي 9.7 مليار ريال (17 مليار ناقص 7.3 مليار مطلوبات) مما يعني أن سعر السهم يجب أن لا يقل عن حوالي 9 ريال.