مع نهاية الأسبوع الماضي بدت الصورة العامة للاقتصاد العالمي أكثر قتامة من ذي قبل، فمع صدور بيانات مهمة عن القطاع الصناعي في منطقة فيلادلفيا تبين أن المؤشر انخفض 30 نقطة، عن الشهر السابق مما بات ينذر باقتراب دخول الاقتصاد الأمريكي في ركود ثانِ، وبما معناه أن كافة الحقن التنشيطية التي تم استخدمها لإخراج الاقتصاد من أزمته خلال العامين الماضيين لم تنجح إلا بشكل مؤقت. وتزامن ذلك مع تعقد مشاكل الديون السيادية في بعض دول منطقة اليورو، واختلاف القيادات هناك على سبل علاج الأزمة، فتعمقت مخاوف المستثمرين مما قد يحمله الغد، ولم يجدوا ملاذاً آمنا لاستثماراتهم إلا في الذهب، فارتفعت أسعاره إلى مستويات قياسية جديدة بلغت في بعض الأوقات 1880 دولار قبل أن يستقر سعر الأونصة مع نهاية الأسبوع عند مستوى 1854 دولار. وانخفضت في المقابل أسعار الأسهم في معظم البورصات العالمية وهوى داو جونز وستاندرد آند بور بأكثر من 4%. ووصلت موجة التراجعات الحادة إلى منطقة الخليج يوم السبت فصادفت السوق السعودي بانتظارها منفرداً فانخفض مؤشره العام بنسبة 4% قبل أن تحدث عمليات شراء تعيد له بعض التوازن وإن ظل حتى إعداد هذا المقال دون مستوى ستة آلاف نقطة بكثير، وبنسبة انخفاض 2.84%.
هذه العاصفة الجديدة لن تتوقف في الغالب وستصل تداعياتها وتضرب السوق القطري صباح الأحد، فإذا كانت ضربتها الأولى قوية فإن ذلك قد يهبط بالمؤشر نحو 300 نقطة، تهبط به إلى ما دون 8000 نقطة لأول مرة منذ أكثر من عام، أما إذا كانت الضربة أقل حدة فإنه سيهبط في حدود 200 نقطة يتماسك بها حول المستوى المذكور. ولأن احتمالات الدخول في ركود عالمي قد يطول هذه المرة، بما يعمل على خفض أسعار النفط والمنتجات المشتقة منه، لذا فإن سهم صناعات قد يكون من بين المتضررين كما حدث في الأسبوع قبل الماضي، فيضغط ذلك على مؤشر البورصة لما لهذا السهم من وزن في المؤشر.
على أن الصورة في قطر ليست بذلك السوء كما هو الحال في الدول الصناعية، وسيكتشف المستثمرون في وقت لاحق أن في البورصة القطرية فرصاً متاحة للشراء عند الأسعار المنخفضة، وأن اقتراب موسم توزيع الأرباح في الربع الأول من العام 2012 يمثل ضمانة لعائد جيد لا يتوفر في أماكن أو بدائل كثيرة. وقد قمت بمراجعة لمستويات العائد المتحقق من شراء أسهم الشركات القطرية فوجدت أن ربعها على الأقل يحقق عائداً يتراوح ما بين 7-10% في مدى زمني لا يزيد عن سبعة شهور أي أن المعدل يتضاعف تقريباً إذا ما قيس بالمعدل السنوي. وستنشر المجموعة للأوراق المالية تفاصيل هذا التحليل قريباً. ويفترض هذا التحليل أن أسعار الأسهم قد استقرت وأنها مرشحة للارتفاع في الأسابيع القادمة. أما إذا حدثت هزة خارجية جديدة، فإن الارتفاع قد يتأخر وينعكس الاتجاه لفترة من الزمن، كأن يهبط المؤشر إلى ما بين 7600-8000 نقطة، وعندها ستكون الأسعار أكثر ملائمة للشراء ومخاطر الهبوط أقل حدة، والعائد المتوقع من الاستثمار في بعض الأسهم أعلى نسبة.
وإذا كان الاستثمار في البورصة القطرية يبدو مجدياً وجذاباً-وخاصة إذا حدثت موجة جديدة من التراجعات بفعل العامل الخارجي- فإن هذا العامل نفسه يمثل في جانب منه تأثير سلبي، فالتطورات الخارجية لا تضغط على أسعار الأسهم الأمريكية فقط وإنما على سعر صرف الدولار الذي هبط بالأمس إلى أدنى مستوى له منذ الحرب العالمية الثانية، وهو 75.95 ين لكل دولار. هذا التراجع في سعر صرف الدولار أمام بعض العملات العالمية كالين والفرنك السويسري، يحمل في طياته أيضاً تراجعاً مماثلاً لسعر صرف الريال مقابل تلك العملات، وبمقدار ما يعادله من الذهب. وبالتالي فإن التمسك بربط سعر الريال بالدولار يُضعف من عائد الاستثمار في البورصة القطرية من وجهة نظر المستثمرين الأجانب على الأقل. أما إذا بدت في الأفق إمكانية لتعديل سعر الصرف مع الدولار، أو بإمكانية تغيير آلية الربط لسلة عملات أخرى يكون من بينها الدولار، فإن جاذبية الاستثمار في أسهم الشركات القطرية تزداد عندها، ونبتعد عما يشكله الربط بالدولار من مشاكل للاقتصاد القطري. الجدير بالذكر أنني كثيراً ما قرأت عبارة ملخصها أن الربط بالدولار قد منح الاقتصاد القطري استقراراً ملحوظاً في العقود الماضية. وقد وصل الدولار الأمريكي منذ عامين إلى مرحلة لم يعد يوفر فيها استقراراً للاقتصاد الأمريكي نفسه بل بات يشكل عبئاً عليه يتمثل في ضرورة الإبقاء على معدلات فائدته متدنية قريبة من الصفر حتى تتمكن الإدارة الأمريكية من سداد فوائد ديونها المتراكمة. وعليه فإن الأمر يضغط باتجاه مراجعة عاجلة غير آجلة لسياسة ربط سعر صرف الريال بالدولار، ولو من مدخل العملة الخليجية الموجد، ولعل أقرب الحلول هو العودة لسياسة مؤسسة النقد القطري التي كانت سائدة قبل أغسطس عام 1980، وهي سياسة الربط بوحدات حقوق السحب الخاصة. وتلك السياسة تم تجميدها منذ ذلك الوقت قبل أن يتم إلغاؤها رسميا قبل عشر سنوات.
ويظل ما كتب رأي شخصي يحتمل الصواب والخطأ ،،، والله سبحانه أجل وأعلم.
عاقل ورزين وبدون حسابات مصالح
رغم أننا في عصر الثورات العربية التي تحثنا على التفكير بمنطق المستقبل لا الماضي، إلا أننا في بعض مواقفنا لا زلنا نتلحف بعباءة الماضي التي عفى عليها الزمن، يحدث ذلك في السياسة وفي الاقتصاد على حد سواء