في خطوة لم تكن مفاجئة أقدم مصرف قطر المركزي ليلة الأربعاء الماضي على تعديل جديد على أسعار الفائدة لديه بواقع رُبع بالمائة لسعر فائدة الإيداع- لتصل إلى 0.75%- وبمقدار نصف بالمائة -لتصل إلى 4.5%- لكل من فائدة الإقراض منه، وسعر الريبو. فلماذا هذا القرار، وفي هذا التوقيت بالذات، وما تأثيراته المحتملة على الاقتصاد القطري في الفترة القادمة؟
بداية أشير إلى أن القرار صدر في وقت متأخر من مساء الأربعاء، أي بعد يوم واحد من إبقاء لجنة السوق المفتوحة ببنك الاحتياط الفدرالي الأمريكي- في اجتماعها الدوري الذي ينعقد مرة كل شهرين- على أسعار الفائدة الاتحادية عند مستواها المتدني الراهن الذي يتراوح ما بين صفر و 0.25%. ولم يكن بنك الاحتياط بقادر على فعل شيء آخر في ظل الإشارات التي تحذر من احتمال وقوع الاقتصاد الأمريكي في دوامة الركود ثانية، بعد انتعاش قصير لمدة سنة واحدة، ولأن رفع معدلات الفائدة عن مستوياتها القريبة من الصفر سيعني رفع معدلات الفائدة على السندات الأمريكية، وهو ما يعني زيادة أعباء خدمة الدين العام، فلا يعد بالإمكان الخروج من دوامة تزايد الديون.
وبالنسبة لمصرف قطر المركزي، فإن الموقف مختلف بعض الشيء، حيث يحقق الاقتصاد القطري غير النفطي معدلات نمو في حدود 7% سنوياً، ومن ثم لا حاجة ماسة للقرار الصادر عنه لدواعي تنشيط اقتراض القطاع الخاص من البنوك. فلماذا القرار إذن؟
الجدير بالذكر أن مصرف قطر المركزي حتى عام 2007 كان يحرص على مجاراة ما يحدث في أسعار الفائدة على الدولار بحيث أن الفرق بين سعري الفائدة على الدولار والريال لم يكن ليزيد عن نصف نقطة مئوية. وجاءت تداعيات الأزمة المالية العالمية منذ النصف الثاني من عام 2008، فاختار المصرف الابتعاد عن معدلات الفائدة على الدولار بحيث وصل الفارق بينهما إلى 1.75% أو 2%، واستمر هذا الوضع حتى أغسطس من العام الماضي، عندما بدأ المصرف في العودة إلى سياسته القديمة فخفض أسعاره بواقع نصف نقطة مئوية بحيث ضاق الفارق مع معدلات الدولار إلى ما بين 1.25%-1.50%. ثم أتبع المصرف ذلك بخفض آخر في يناير الماضي بواقع نصف نقطة أخرى ، فانخفض الفارق إلى ما بين 0.75%-1%. وبالخطوة الجديدة مساء الأربعاء، فإن الفارق قد ضاق مجدداً إلى ما بين 0.50% -0.75% . الجدير بالذكر أن هذا التلازم بين معدلات الفائدة على كل من الدولار والريال، فرضته منذ زمن علاقة الربط بينهما عند سعر ثابت هو 3.64 ريال لكل دولار. والمعنى أنه في حين عمد المصرف إبان الأزمة إلى الابتعاد بسعر فائدته عن نظيرتها على الدولار لدعم السيولة لدى الجهاز المصرفي، وتفادي هروب الاستثمارات من الريال إلى الدولار، وهو ما تحقق بالفعل، فإن الإبقاء على هامش كبير بين المعدلين -في ظل الظروف الراهنة التي يتعرض فيها سعر صرف الدولار لضغوط كبيرة- سيؤدي حتماً إلى زيادة السيولة في الجهاز المصرفي نتيجة توقع تدفق الأموال من الخارج. أي أن القرار –في تقديري-جاء أساساً لتفادي حدوث موجة جديدة من المضاربة على الريال، الذي يُفترض أن معطياته أفضل من معطيات العملة المربوط فيها، وخاصة عدم وجود عجز سنوي في الموازنة العامة، وتمتع البلاد باحتياطيات مالية كبيرة نسبياً، ومحدودية نسبة دين الحكومة-بدون دين القطاع العام- إلى الناتج المحلي الإجمالي.
وفي ظل هذا التفسير للقرار، فإنه لا زال أمام مصرف قطر المركزي مجال لتخفيض جديد على أسعار فائدته بمقدار 0.25 نقطة على الأقل ليصل سعر فائدة الإيداع إلى نصف نقطة مئوية فقط، وأن يتم تخفيض سعر فائدة الإقراض والريبو إلى 4%.
ومن حيث تأثيرات القرار على الاقتصاد نجد أن خفض سعر فائدة المركزي سيؤدي إلى انخفاض أسعار الفائدة على ودائع الجمهور لدى البنوك، فيضغط ذلك عليهم للبحث عن عائد أفضل لمدخراتهم، فينشط الطلب على أدوات الاستثمار في المجالات المختلفة، ومن بينها بورصة قطر، وقطاع العقارات. كما أن انخفاض معدل فائدة الإقراض من المركزي، سيؤدي إلى تخفيض البنوك لأسعار إقراضها للجمهور، فينشط الطلب على الائتمان المصرفي وتدور عجلة الاقتصاد بمعدل أسرع.
وعليه فإن القرار سليم ويعمل وفق ما تقتضيه مصلحة الاقتصاد القطري، ولكنه لم يعالج مشكلة التدني المستمر في قيمة الدولار ومن ثم الريال، ولا بد من حل جذري لهذه المشكلة التي ستظل مزمنة ويقع تأثيرها السلبي على المواطن والمقيم معاً بأكثر من وقعها على الحكومة والقطاع العام اللذين لهما حساباتهما الخاصة في هذا الموضوع.
ويظل ما كتبت رأي شخصي يحتمل الصواب والخطأ والله أجل وأعلم.