الحقوق الضائعة في قطاع الاتصالات

09/07/2011 3
د. قصي الخنيزي

تشمل أهداف هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات الخاضعة لنظام الاتصالات الصادر بقرار مجلس الوزراء رقم 74 في 5/3/1422هـ، ولائحته التنفيذية الصادرة بالقرار الوزاري رقم 11 في 17/5 /1423هـ، توفير خدمات اتصالات متطورة وكافية وبأسعار مناسبة، وإيجاد المناخ المناسب لتشجيع المنافسة العادلة، واستخدام الترددات بصورة فعّالة، وتوطين تقنية الاتصالات ومواكبة تقدمها، وتحقيق الوضوح والشفافية في الإجراءات، إضافة إلى تحقيق مبادئ المساواة وعدم التمييز، وحماية المصلحة العامة ومصالح المستخدمين والمستثمرين. كما تتضمن مجالات عمل الهيئة عدة أمور، يهمنا هنا منها حماية حقوق المستخدمين وإتاحة نقل الرقم الخاص بالهواتف المتنقلة، لارتباط هذين المجالين بحقوق المستهلك التي يجب - وأشدد يجب - على الهيئة أن تحفظها وتدافع عنها، لأنها من صميم عملها ومن أكثر مجالاتها ارتباطاً بالمستخدمين. فإذا كانت حماية حقوق المستخدمين من المجالات الأساسية في عمل الهيئة، بجانب إتاحة نقل الرقم الخاص بالهواتف المتنقلة بين المشغلين، فإن الملام الأول والأخير في التسويف والتعطيل الحاصل وإلى اليوم في هذه الحقوق هي هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات وليس المشغلين، لفشلها في وضع العقوبات اللازمة والغرامات الملائمة على المشغلين.

وشركات الاتصالات العاملة في المملكة هي شركات خاصة تهدف إلى الربح أولاً وأخيراً من خلال المنتجات والخدمات التي تقدمها والعوائد التي تتحصل عليها من المشتركين في مختلف الخدمات المرتبطة بالهاتف الثابت والمتنقل والإنترنت وغيرها. هذه الشركات التي تضع نصب عينيها تعظيم العوائد والأرباح، قد تتجاوز تعليمات الهيئة - وهو الحاصل - بهدف الحفاظ على مستوى معين من الربحية مدعوماً في الدرجة الأولى بنظام حوافز للموظفين مبني على القيام بعدة أمور، منها الحفاظ على العملاء الجيدين والمتميزين من ناحية استخدام الخدمات، والانتظام في دفع الرسوم، والقيام بدور فاعل في تحصيل العوائد من العملاء المتعثرين، أي تقليل مخاطر تحصيل الرسوم وتعظيم عوائدها. هذا التوجه لشركات الاتصالات التي لا تعير اهتماماً للجهة التنظيمية وهمها تعظيم الأرباح المبني على هرمية من الحوافز الداخلية للموظفين لتحقيق الأرباح، وفي ظل غياب دور الهيئة، قد يؤدي إلى استياء من دور الهيئة في سوق الاتصالات ككل، خصوصاً أن حقوقاً بسيطة كتغيير مقدم الخدمة أو إلغائها أو التظلم من الرسائل الدعائية الإجبارية هي أمور تحتاج إلى كثير من التكاليف للمستخدم المتضرر ولا يتم احتساب تكاليفها من قبل لجنة النظر في الفصل في المخالفات عند تقدير التعويض. لذا، قد يتضرر كثير من المستخدمين لخدمات الاتصالات في المملكة من الوضع الراهن دون التقدم بأي شكوى للهيئة، نظراً لارتفاع تكاليف الشكوى التي لا يتم التعويض عنها بغرامات مناسبة، بينما تقوم شركات الاتصالات بالمخالفة وعدم نقل الخط أو إلغاء الخدمة حتى مع طلب وإصرار العميل، لأن تأجيل الحكم النهائي لا يضير الشركات بشيء في ظل غياب غرامات مالية مؤثرة تمنع المخالفة من قبل الشركات منذ البداية، وكل تأخير يحسب إيجابياً لموظفي التسويق والمبيعات وإدارة الحفاظ على العملاء!

وتقول الهيئة في موقعها الإلكتروني إنها سعت ''..إلى توفير خدمة نقل الرقم للهاتف المتنقل في المملكة انطلاقا من مسؤولياتها التي نص عليها نظام الاتصالات، وهي خدمة تتيح لمشتركي الهاتف المتنقل الاحتفاظ بأرقامهم عند تغيير مقدم الخدمة. وتهدف الهيئة من ذلك إلى تشجيع المنافسة بين مقدمي الخدمة عن طريق تسهيل عملية انتقال رقم المشترك من مقدم خدمة إلى آخر؛ ومن ثم إعطاء المشترك المرونة في الاختيار بين مقدمي الخدمة، مما يسهم في تحسين جودة الخدمة، ورفع الكفاءة التشغيلية، وتخفيض الأسعار...'' حقيقة، ليس هناك أي مرونة، وأرى أن سعي الهيئة وتحقيقها بعض أهدافها ليس موفقاً، نظراً لتعثر عملية نقل الأرقام بين المشغلين، مما قد يسهم في عدم تحسين جودة الخدمة وفي التأثير على الكفاءة التشغيلية الكلية لقطاع الاتصالات سلباً، وتأثر حقوق المستخدمين دون حماية عادلة لحقوقهم في الاختيار بين المشغلين.

وتبعاً للتقرير السنوي لهيئة الاتصالات وتقنية المعلومات، قامت الهيئة ''بدراسة وحل 12136 شكوى خلال عام 2010، كما واجهت الهيئة مشكلات في تنفيذ نقل الأرقام من قبل المشغلين، واتخذت في ذلك الإجراءات النظامية تجاههم وأحالتهم للجنة النظر في الفصل في المخالفات''. حل هذا العدد من الشكاوى المتعلقة بحق نقل الأرقام بين المشغلين ليس إنجازاً أبداً، بل هو إدانة واضحة وصريحة للهيئة وعجزها عن إيجاد الحلول الجذرية ومعاقبة المخالفين قبل رفع الشكاوى ابتداءً، خصوصاً أن حق نقل الأرقام بين المشغلين هو من مجالات عمل الهيئة الأساسية، وهو مرتبط ارتباطاً وثيقاً بمجال آخر من عمل الهيئة هو حماية حقوق المستخدمين، وأكاد أجزم بأن أضعاف هذا العدد هم من المتضررين الذين لم يجدوا جدوى، أو قاموا بحسبة بسيطة أبانت أن تكاليف رفع الشكوى ونقل الأرقام أعلى من تكاليف الحفاظ على الأرقام ونقلها لمشغل آخر من خلال التوجه إلى لجنة الفصل في المخالفات التابعة للهيئة، خصوصاً مع غياب التعويضات الملائمة عن مجمل التكاليف بما فيها تكلفة الفرصة البديلة من توفير الوقت والجهد لرفع شكوى لتغيير المشغل.

وأخيراً، يجب على هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات، لتحقيق رسالتها ورؤيتها وأهدافها، أن تهتم بمجالات أهدافها التي ينص عليها نظام الاتصالات ولوائحه التنفيذية، التي يأتي على رأسها حماية حقوق المستخدمين وحقوق نقل الأرقام بسهولة ويسر. لذا، على الهيئة أن تقوم باستخدام تقنية الاتصالات وتقنية المعلومات كي يتمكن المستخدمون من رفع الشكاوى باستخدام هواتفهم بالاتصال أو الرسائل النصية أو الإنترنت، وأن يتم تطبيق غرامات مالية رادعة ومقبولة من قبل المستخدمين دون التحيز الفاضح والواضح لشركات الاتصالات على حساب المستخدمين، ولكيلا تبقى الهيئة بعيدة عن استخدام تقنيات الاتصالات وتقنية المعلومات، أي ألا يبقى باب النجار مخلوعا!