يعتمد تصنيف منشآت الأعمال إلى كبيرة، متوسطة، وصغيرة على معيار التصنيف المستخدم الذي يختلف من دولة إلى أخرى وفي داخل كل دولة أيضاً وبناء على عدد العمالة، المبيعات السنوية، ورأس المال. وتبعاً لدراسة أعدها اتحاد غرف مجلس التعاون الخليجي قبل نحو ثلاث سنوات، تشكل المصانع الصغيرة والمتوسطة 80 في المائة من إجمالي عدد المصانع وفق معيار حجم رأس المال، بينما تشكل المصانع الصغيرة والمتوسطة وفق معيار حجم العمالة نحو 65 في المائة من إجمالي المصانع البالغ عددها 7360 مصنعاً في دول مجلس التعاون الخليجي حينئذ، حيث تستحوذ على 7.7 مليار دولار من الأموال المستثمرة في الصناعات. وعليه، أياً كان معيار تصنيف المنشآت والمصانع الصغيرة والمتوسطة، فهي تسهم بشكل كبير في عملية التنمية الاقتصادية والهيكل الاقتصادي لدول المجلس ككل.
كما تعرضت الدراسة التي ركزت على القطاع الصناعي إلى عدد من المعوقات التي تواجه الصناعات الصغيرة والمتوسطة منها التمويل الذاتي، الملكية العائلية، انخفاض القيمة المضافة، الهيكل الصناعي والاقتصادي الكلي، استيراد مدخلات الإنتاج من الخارج، وغياب الحوافز والسياسات الاقتصادية الخاصة بالمصانع الصغيرة والمتوسطة في الوقت ذاته الذي تتحيز فيه السياسات الاقتصادية وسياسات الاستثمار الأجنبي إلى المصانع الكبيرة. وعلى الرغم من تنوع المعوقات السابقة ووقوفها أمام نمو الصناعات الصغيرة والمتوسطة، إلا أن فيها خلطاً بين العوامل الكلية والجزئية، ومدى تأثير كل منها في نمو قطاع المصانع الصغيرة والمتوسطة وقدرتها على البقاء والاستمرارية في ظل التغيرات الاقتصادية الهيكلية وهبوب رياح العولمة والأزمة المالية العالمية من جميع الاتجاهات، كما أن فيها تجاوزاً للتحدي الحقيقي المتمثل في اكتساب المصانع الصغيرة والمتوسطة في دول الخليج عموماً والسعودية خصوصاً لقدرة تنافسية على مستوى الأسواق العالمية، علماً بأن عدد المصانع الصغيرة والمتوسطة في السعودية يقدر بأكثر من 2465 مصنعاً. هذه الدراسة التي اعتمدت على القطاع الصناعي بالإمكان تعميمها على القطاعات الأخرى التي تعمل فيها المنشآت الصغيرة والمتوسطة بكل سهولة وتيقن.
فالتمويل الذاتي ليس معوقاً في حد ذاته للمنشآت الصغيرة والمتوسطة دون تناول استمرارية التمويل واحتياجاتها، ولكن لا يتمتع التمويل الذاتي بكفاءة توظيفية وتشغيلية حين تكون تكلفة التمويل الذاتي وتمويل رأس المال العامل أعلى من تكلفة الفرصة البديلة لتوظيف السيولة المالية في جهة أخرى. وللإيضاح، قد تكون أسعار الفائدة على الاقتراض منخفضة في الوقت الذي تتوافر فيه فرصة لتوظيف السيولة التي تمتلكها المنشآت الصغيرة والمتوسطة في مجال استثماري آخر، أو لبناء مخزون المدخلات. في هذه الحالة، من الأفضل والأربح للمصانع أن توظف السيولة الذاتية المتوافرة لديها توظيفاً يحقق العائد الأمثل، وتمويل رأس المال العامل عن طريق الاقتراض. كما أن على المنشآت السعودية الصغيرة والمتوسطة الاهتمام بعمليات الإدارة المالية لتحقيق التوظيف الأمثل للسيولة المتوافرة، اختيار وسائل الاقتراض الأقل تكلفة، تنسيق عمليات التمويل وأوقات الاستحقاق، والإبداع في استخدام منتجات التحوط المالي لتقليل تذبذب الأسعار في مدخلات العملية الإنتاجية وخصوصاً المواد والسلع الأولية. وفي حالة ارتفاع تكلفة الإدارة المالية للمنشآت الصغيرة والمتوسطة، بإمكان هذه المنشآت تكوين تحالفات في الإدارة المالية لتكون لديها إدارة مالية موحدة تتشاطر المصانع تكلفتها والاستفادة من اقتصاديات الحجم في إدارة الموارد المالية. وهنا قد يكون للتنافس الحالي بين البنوك الاستثمارية وشركات الوساطة المالية دور في تخفيض تكاليف الاستشارة والدمج والاستحواذ.
أما بالنسبة للملكية العائلية للمنشآت الصغيرة والمتوسطة فهي قد تشكل عائقاً لنمو واستمرارية هذه المنشآت كما ذكر في استعراض الدراسة المتخصصة في القطاع الصناعي آنفة الذكر، وقد تكون مصدر قوة وميزة لهذه المنشآت أيضاً. فالملكية العائلية للمنشآت الصغيرة والمتوسطة قد تكون عائقاً عندما يتولى إدارة هذه المنشآت إداريون غير أكفاء بناءً على القرابة العائلية أو اعتبارات أخرى بعيدة عن الحرفية والمهارات الإدارية والمعرفة التسويقية والإنتاجية المطلوبة، أو عند ظهور علامات انقسام وتضارب بين الملاك كبعض الحالات التي ظهرت في الجيل الثالث من الشركات العائلية. وعلى الجانب الآخر، عند فصل الملكية عن التدخل في الإدارة والاكتفاء بمراقبة وتقييم وتقويم الأداء الإداري لطاقم معين بناء على الخبرة والمعرفة والدراية، تتقارب نتائج الأداء بين المنشآت العائلية وغير العائلية ويصبح الفيصل في الأداء هو قدرة الطاقم الإداري على تحقيق أهداف النمو والربحية والحصة السوقية المحددة، وغيرها من أهداف يقوم بصياغتها الملاك والإداريين.
وفيما يتعلق باستيراد مدخلات الإنتاج من الخارج، فلا أرى في ذلك معوقاً لنمو واستمرارية المنشآت المتوسطة والصغيرة التي تتعامل مع التجارة الخارجية، خصوصاً أن محددات التعاملات تعتمد على جدوى وكفاءة إدارة التعامل المالي والتجاري والخدمي. فعلى سبيل المثال، قد تجد بعض المنشآت أن استيراد الرصاص من الخارج لأغراض التصنيع أكثر جدوى من التوريد المحلي ومن شأن ذلك أن يكسب المنتج النهائي ميزة تنافسية أمام المصانع المنتجة للمنتج النهائي نفسه في الأسواق الدولية، بينما قد يؤدي الاعتماد على مدخلات إنتاج محلية إلى افتقاد القدرة التنافسية للمنتج النهائي ومن ثم تراجع الأداء الصناعي.
وفي الختام، من المعوقات المشهورة التي تواجهها المنشآت الصغيرة والمتوسطة غياب الحوافز والسياسات الاقتصادية الخاصة بها في الوقت ذاته الذي تتحيز فيه السياسات الاقتصادية وسياسات الاستثمار الأجنبي إلى المنشآت الكبيرة، وهنا تبرز الحاجة إلى أن تأتي الجهات المعنية برؤية على مستوى الصناعة الوطنية لتوفير الدعم المالي والتنظيمي بجانب النصح والمشورة للمنشآت المتوسطة والصغيرة التي تشكل دعامة الاقتصاد الوطني الحقيقية عند ارتفاع أمواج العولمة. هذا من ناحية عموم المعوقات، أما من ناحية التفاصيل، فإن هناك حاجة ماسة إلى معرفة حقيقة المعوقات أمام المنشآت الصغيرة والمتوسطة وكيفية تذليلها.