حمى المضاربات في أسواق السلع عالمياً ليست بالأمر المخفي، بل هي ظاهرة حقيقية تركت أثرها وبصمتها المريرة على الأسعار ارتفاعاً وساهمت بارتفاع تكاليف المعيشة عالمياً خصوصاً بالاقتصاديات الناشئة وبدأت الدول الكبرى تتحرك على كافة المستويات لتلافي آثار هذه الظاهرة التي ألهبت مؤشرات التضخم عالمياً نتيجة الضخ المالي الهائل الذي أعقب الأزمة المالية العالمية.
وفي السوق المحلي لا تمر فترة إلا وتحدث مشكلة بأسعار إحدى السلع أو أكثر ونحن نتحدث عن سلع إستراتيجية وذات طابع استهلاكي كبير فسابقاً كانت هناك مشكلة بارتفاع أسعار المواد الغذائية من رز وسكر وانتقلت إلى أنواع أخرى كالحديد وحالياً الاسمنت والشعير وغيرهما وعندما نرى تقارير أو تحركات للجهات المعنية نجد أن هناك جهوداً تبذل لطمأنة المستهلكين بوفرة المعروض بشكل عام وانه لا داعي للقلق من قبل السوق كما وضعت أنظمة وقوانين لمكافحة أي عمليات تجفيف أو تعطيش للسوق وصدرت عقوبات بحق مخالفين مع التشهير بأسمائهم في مناطق عدة.
وبات من الواضح أن هناك سؤالاً يطرح..من يقوم بمثل هذه التصرفات التي تستهدف رفع الأسعار بشكل كبير وبفترة قياسية واستغلال حركة الأسواق عالمياً لتسويق مبررات رفع الأسعار ونجد ان عودة الأسعار للتراجع تأتي أيضاً خلال فترة قصيرة تعقب أي تحرك رسمي من قبل وزارة التجارة مما يثير التكهنات بأن هناك من يقوم بتعطيش السوق ورفع الأسعار أكثر من ارتفاعها عالمياً بل أحياناً لا يوجد علاقة بين أسعار بعض السلع والسوق الدولية كالاسمنت فسبب الارتفاع مبررات داخلية.
وإذا كان البعض يسمي هذه الممارسات بأنها جشع من التجار أياً كانت درجتهم سواء منتجين أو موزعين إلا أنها تبقى ارتفاعات منتظمة الحركة وتتباين حسب حاجة السوق لأي سلعة أو الأكثر طلباً أو التي يبرز حولها بعض المشاكل التصنيعية أو التسويقية أو ذات الارتباط الخارجي من حيث إنها مستوردة وعند نقطة الثغرات التي يتم من خلالها رفع الأسعار تظهر نقطة مهمة جداً بأن رؤوس أموال تتحرك في السوق الداخلي للمضاربة على السلع من خلال العلاقة بين تخزينها وتعطيش السوق واستغلال الحدث المبرر لرفع الأسعار بشكل لا يتناسب نهائياً مع نسبة ارتفاع الأسعار عالمياً أو المشكلة التي تعوق هذه السلعة محلياً كالاسمنت على سبيل المثال.
وهذا يعني بالضرورة وجود مضاربات قوية تستهدف رفع الأسعار محلياً بشكل سريع لبيع كميات موجودة أصلاً بالسوق بأسعار يتم التأثير فيها من خلال تضخيم الحدث وبث الشائعات عن توقعات باستمرار ارتفاع الأسعار وقد يكون للسوق الحر الذي يرتكز عليه منهج الاقتصاد السعودي المبرر المنطقي لتحرك الأسعار كونه يعتمد على العرض والطلب ولكن في حالة القدرة على التأثير على معطيات السوق فإن هذه القاعدة تغيب خصوصاً لبعض السلع التي تخضع للمنافسة الاحتكارية.
وإذا كانت وزارة التجارة قد اتخذت خطوات عملية لبعض السلع كرفع المخزونات خصوصاً بالسلع الغذائية فإن هناك بحراً منها لا بد أن يتم وضع آليات جديدة تمكن من السيطرة عليه وتعد أبرز هذه الآليات هي الشفافية بالسوق من خلال معرفة حجم الكميات المتاحة بالسوق والمدة الزمنية التي تستطيع هذه المخزونات أن تلبي فيها حاجة السوق أي الاحتياطي من السلع فمن شأن معرفة المخزون لدى التجار والمصنعين أو المخازن الإستراتيجية للدولة يمكن أن يطمئن السوق فوراً وأن يلغي أو يقلل من أهمية أي شائعات تحرك الأسعار للأعلى ولعل إنشاء بورصة محلية للسلع من الممكن أن يلعب دوراً محورياً في تبديد أي غياب للمعلومات عن السوق واحتياجاته وكفايته من المواد والسلع وقد أعلن قبل عدة سنوات عن النية لإنشاء بورصة للسلع محلياً ولكن مازالت الفكرة حبراً على ورق كما يبدو غير أن تطورات الاقتصاد السعودي ونشاطه الكبير جدا يتطلب الإسراع بإنشاء هذه البورصة لما لها من انعكاسات إيجابية على الاقتصاد الوطني من تأثيرات تلغي تماما أي تحرك غير منطقي للأسعار كما ترفع من مستوى الوعي لدى المستهلك وتنظم السوق المحلي من ناحية حركة الأموال والمضاربة على السلع وكذلك توفر منظومة وبيئة عمل صحية تنعكس على الاقتصاد بجوانب ايجابية عديدة تخدم القطاع المالي ونشاط تجارة التجزئة وتوفير المعلومات الكاملة عن السوق واحتياجاته وترفع من مستوى تدفق الاستثمارات بالاقتصاد وتحد من عمليات التلاعب مما يسهم باستقرار الأسعار والتأثير على مؤشرات التضخم وبالنهاية على المستهلك.