أثرت في الجزء الأول من هذا المقال يوم الأحد بعض الملاحظات التي جالت بخاطري ونحن بانتظار انعقاد اللقاء التشاوري الخامس بين معالي رئيس الوزراء وزير الخارجية الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني وقادة قطاع الأعمال ومسئولي غرفة تجارة وصناعة قطر. وكان أن أشرت في المقال إلى موضوع النمو السكاني على ضوء التطبيق المنتظر للمشروعات الواردة في استراتيجية التنمية الوطنية في السنوات القادمة حتى 2016. وأود اليوم أن أضيف ملاحظات أخرى ولكنني أبدأ بتوضيح نقطة بدت غير واضحة في المقال السابق؛ وهي أنني مع تقييد معدل النمو السكاني الذي اشتملت عليه الاستراتيجية، ليصل إلى 2.5% سنوياً حتى 2016 لأن ما عدا ذلك يشكل خطورة كبيرة على التنمية وعلى التركيبة السكانية. وفي المقابل فإن على رجال الأعمال أن يدركوا هذه الحقيقة، وأن يترجموها في مخططاتهم للفترة القادمة بحيث تكون مبنية على أكبر قدر من التقنيات الحديثة، أو الاعتماد على العمالة المحلية المقيمة في قطر، حتى لو كان ذلك بتكلفة أعلى باعتبار أن البديل هو تكلفة عالية جداً يتحملها المجتمع.
ومن جهة أخرى هناك موضوعات أخرى يمكن إثارتها في اللقاء مع معالي رئيس مجلس الوزراء يوم غد، ومنها واقع الحال في البورصة التي هي مرآة للاقتصاد القطري، وتعكس بصدق مدى انتعاشه أو ركوده. فالحال في البورصة منذ أسابيع لا يدعو للتفاؤل حيث عادت أحجام التداولات إلى الانكماش دون مستوى 200 مليون ريال يومياً، مقارنة بفترة سابقة كان المعدل المتوسط يزيد فيها عن نصف مليار ريال. ورغم أن مؤشر البورصة ظل متماسكاً نسبياً حتى الآن فوق مستوى 8300 نقطة، محافظاً بذلك على المكتسبات التي حققها في عام 2010 أي بأكثر من 18% فوق مستوى 7000 نقطة، فإن استمرار التداولات الضعيفة -وآخرها المستوى المتدني جداً لإجمالي التداول يوم أمس الاثنين فوق المائة مليون ريال- لهو أمر يدعو إلى القلق بشأن مستقبل أسعار أسهم الشركات المدرجة في البورصة في الأسابيع القادمة. صحيح أن هناك من يبشر بتدفقات قادمة من الخارج إذا ما تم ترفيع بورصة قطر إلى مرتبة الأسواق الصاعدة في مؤشر مورجان ستانلي، وهو الأمر الذي قيل إنه سيحدث خلال فترة وجيزة، إلا أن ذلك موضع شك لعدة أسباب لعل في مقدمتها هذا الضعف المستشري في أوصال البورصة، وقيمة الرسملة التي عادت إلى الانخفاض يومياً، ونسبة التملك المنخفضة المسموح بها للأجانب. ولقد كانت العادة أن تنخفض أسعار الأسهم بعد انتهاء موسم الإفصاحات وتوزيعات الأرباح إلى مستويات معقولة تبرر العودة للسوق في موسم جديد، ولكن ذلك لم يحدث إلا بشكل جزئي وبطيء، وظلت أسعار الأسهم فوق قيمتها في هذا الوقت من السنة، مما دفع الكثير من المتعاملين إلى البقاء خارج السوق باتضاح ما يجري، فتقلصت أحجام التداول.
ثم إن الاهتمام في المقام الأول يجب أن ينصب على التداولات المحلية للأفراد والشركات ولنتذكر أن أحجام التداولات قبل أبريل 2005 كانت قوية والسوق نشطة جداً، بدون أجانب، وذلك لأن السيولة المتاحة كانت كبيرة جداً. والحديث عن السيولة يقودنا للحديث عن الإنفاق الحكومي الذي هو المحرك الأساسي لنشاط القطاع الخاص، وللتداولات في بورصة قطر. وقد استبشر رجال الأعمال بالخطط الطموحة التي اعتمدت لها الحكومة مبالغ طائلة، باعتبار أن ذلك هو العنصر الفعال الذي سيحرك البورصة عندما تسري الأموال الجديدة في أوصال الاقتصاد، فهذه الأوصال كالأواني المستطرقة إذا سكبت فيها سيولة فإنها ستنتقل في بقية الأجزاء بدون انتظار، وطالما أن البورصة تبدو عطشى هذه الأيام فإن ذلك يعني ببساطة أن عملية الأنفاق لم تبدأ بعد على النحو المرجو،، وقد أمر حضرة صاحب السمو الأمير قبل أيام بالبدء في الإنفاق على المشروعات المعتمدة، وهي بشارة خير نرجو أن نلمس نتائجها في القريب العاجل.
ثم أن ضعف أداء البورصة هو من ضعف الشركات المدرجة فيها، فالشركات قبل عدة سنوات كان لديها سيولة فائضة عالية واحتياطيات كبيرة، وكان جزء كبير من هذه السيولة يستثمر في البورصة فيشتد الطلب وترتفع الأسعار، ثم تغير الحال بانغماس الشركات في مشروعات توسعة كبيرة في الداخل والخارج مما جعلها تستنفد كل سيولتها وتتحول إلى شركات مدينة، فأثر ذلك على البورصة من ناحيتين الأولى فقدان سيولة الشركات التي كانت تحرك البورصة، وضعف نتائج الشركات وتحولها في بعض الأحيان إلى شركات خاسرة أو غير قادرة على توزيع أرباح وهو ما ضغط على أسعارها بقوة.
وقد كانت هناك أسباب أخرى لنشاط التداول في فترة سابقة تمثلت في السماح للبنوك بتمويل تجارة الأسهم بالهامش بنسبة 50% تقريباً، وهو الأمر الذي تم إيقافه منذ عام 2009، رغم أنه يمكن استمراره في ظل ضوابط تحمي أموال البنك من الخسارة إذا ما انخفضت أسعار الأسهم ومثل هذا الإجراء معمول به في دول أخرى كثيرة. كما أن المنع التام لتعاملات الوكلاء في البورصة قد أضر بأحجام التداولات، باعتبار أن كثير من المستثمرين تنقصهم الدراية في عمليات البيع والشراء ويحتاجون إلى أيدي متخصصة تتولى إدارة أموالهم.
هذه الأفكار وغيرها نطرحها على اجتماعات التشاوري هذا اليوم باعتبار أنها في نظرنا السبيل الأمثل لتنشيط تعاملات القطاع الخاص في البورصة، وبها لن تكون هناك حاجة لانتظار تدفقات أموال من الخارج،،، لها أضرارها الكثيرة التي تفوق محاسنها.
شكرا استاذ بشير بانتظار ابرز ما سينتج عن اللقاء مع معالي الشيخ حمد بن جاسم