تأملات على هامش اللقاء التشاوري بين الحكومة وقطاع الأعمال

29/05/2011 3
بشير يوسف الكحلوت

ينعقد بعد غد اللقاء التشاوري الخامس بين معالي رئيس الوزراء وزير الخارجية الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني وقادة قطاع الأعمال ومسئولي غرفة تجارة وصناعة قطر، وهو اجتماع درجت الحكومة ممثلة في رئيسها على عقده كل سنة للتأكيد على علاقة الشراكة القوية بين الحكومة والقطاع الخاص في دفع مسيرة التنمية الاقتصادية في البلاد، إضافة إلى استماع الحكومة إلى تعليقات رجال الأعمال عن المعوقات التي تواجه أعمالهم وشكاواهم وطلباتهم.

ويأتي انعقاد الاجتماع هذا العام وسط ظروف تبدو جد مختلفة عن ظروف انعقاد الاجتماعات الأربعة التي سبقتها منذ العام 2007، باعتبار أن الحكومة قد انتهت قبل أسابيع من الإعلان عن تفاصيل استراتيجية التنمية الأولى للفترة 2011-2016، بكل خططها ومشروعاتها التي تمت دراستها واعتمادها للتنفيذ ضمن إطار أوسع هو تحقيق تطلعات رؤية قطر الوطنية لعام 2030. وقد تلا الإعلان عن الاستراتيجية، الإعلان الرسمي عن موازنة قطر للعام 2011/2012 والتي تضمنت الإعتمادات المالية اللازمة لتسيير شؤون الدولة الجارية في سنة قادمة إضافة إلى ما يخص هذه السنة من اعتمادات للمشروعات الإنمائية والبنية التحتية. ومن أجل ذلك فإن من غير المتوقع أن يُسفر اللقاء عن الإعلان عن مشروعات جديدة أو تغيير في الخطط الموضوعة، وإن ما سيحدث بالفعل هو قيام معالي رئيس الوزراء بشرح ما في الخطة الاستراتيجية من مشروعات، وتأكيده على الدور المطلوب من القطاع الخاص في تنفيذ هذه المشروعات. المفروض أن الإعلان عن تفاصيل استراتيجية التنمية الوطنية قد أعقبه –كما ورد في نص الإعلان عنها-نقاشات مستفيضة لها من جانب الجهات المعنية التي تشارك في التنفيذ، ومنها بالطبع قادة قطاع الأعمال في القطاع الخاص. ومن ثم سيكون اللقاء هذا العام فرصة لمناقشة توجهات استراتيجية التنمية. وسأضرب مثالاً على ما يمكن طرحه في هذا الصدد بموضوع النمو السكاني خلال السنوات الست القادمة. الجدير بالذكر أن معدل النمو السكاني قد بلغ أكثر من 7% في متوسط الأربعين سنة الماضية وأن النسبة زادت عن ذلك إلى أكثر من 14% في سنوات الطفرة من 2004-2009، مع انخفاض المعدل إلى 3.5% في سنوات الركود وانخفاض أسعار النفط، وفي المقابل فإن الاستراتيجية تفترض معدلات نمو منخفضة جداً تصل إلى 2.5% سنوياً حتى عام 2016، وذلك يعادل الزيادة الطبيعية في السكان بدون إضافة عامل الهجرة السكانية من الخارج، فهل تفترض الحكومة أن المشروعات الجديدة ستعتمد كلياً على الآلات والأجهزة الإلكترونية بدون الاعتماد على السكان أم أنها ستتم اعتماداً على المواطنين وأبناء المقيمين في البلاد دونما استيراد للعمالة الوافدة إلا في أضيق الحدود؟؟

ويأتي انعقاد اللقاء التشاوري هذا العام بعد أن انتهت الدولة من تنفيذ برنامجها الطموح لإنتاج وتسييل وتصدير الغاز بطاقة 77 مليون طن سنوياً، والذي انفردت الحكومة بتنفيذه مع الشركات الأجنبية. وفي حين استأثرت الحكومة بملكية حصة قطر في مشروعات الغاز: قطر غاز ورأس غاز، فإنها أستبعدت مشاركة القطاع الخاص في هذا المشروع الاستراتيجي والحيوي. وفي المقابل فإنها أشركت القطاع الخاص وبحصة كبيرة في ملكية شركة ناقلات العملاقة. وهذه الشركة لم تنجح حتى الآن إلا في توزيع أرباح ضعيفة جداً بعد 5 سنوات من الاستثمار في أسهمهما. بل إن الكثير من المساهمين قد أصابوا خسائر كبيرة من جراء شراء الأسهم بأسعار عالية تجاوزت الستين ريالاً للسهم وهي اليوم دون 18 ريالاً للسهم. وقد يكون من العدل لهؤلاء المساهمين لو قررت الدولة خصخصة حصتها في شركتي الغاز وطرحت جزءً منها للاكتتاب العام على غرار ما حدث في صناعات، وأن يكون لحملة أسهم ناقلات ،الأولية في شراء أسهم الشركة الجديدة.

ومن جهة ثالثة سيتركز الحديث في اللقاء على اهتمام الحكومة بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة التي ستستأثر بالاهتمام في مرحلة ما بعد انتهاء تنفيذ مشاريع إسالة الغاز والبتروكيماويات، ومثل هذه المشروعات ساهمت في خلق تنمية مستدامة في كثير من الدول مثل البرازيل وماليزيا والهند وجنوب إفريقيا وغيرها، وهي مرشحة لفعل دور مماثل في قطر، وإن كنت أتحسب من عامل الندرة السكانية في قطر، وتأثيره على نجاح مثل هذه المشروعات في وقت تخطط فيه الحكومة لخفض معدل النمو السكاني إلى أدنى مستوياته.

وهناك نقطة أخيرة تتعلق بموضوع الصناعة، وهي أن دول المجلس قد طلبت من منظمة الخليج للاستشارات الصناعية إعداد خارطة طريق للصناعة الخليجية لتوضح للقائمين على أمر الصناعة في كل دولة الصناعات الغائبة التي يمكن إقامتها والتعويل على نجاحها في كل دولة، ولم يتم الانتهاء من إعداد هذه الخارطة حتى الآن وبالتالي فإن الحديث عن مشروعات صناعية يقوم بها القطاع الخاص هو بمثابة وضع الحصان أمام العربة.