هل هناك جمعية لحماية المستهلك؟

28/05/2011 0
د. قصي الخنيزي

تتنوع تعريفات حماية المستهلك وشموليتها تبعاً للتطبيق من دولة إلى أخرى ومن اقتصاد إلى آخر، نظراً لتشعب القطاعات والجهات الرقابية المرتبطة بها التي ترتبط كلها بالمستهلك الذي يتعامل مع منتجات وخدمات تتبع لقطاعات مختلفة، إلا أن هناك حداً أدنى من الجوانب المرتبطة بحماية المستهلك تتفق عليها معظم التعريفات. فحماية المستهلك تشمل ضمان التعامل العادل وحرية المنافسة وانسياب المعلومات عن المنتجات والخدمات المقدمة للمستهلك إلى السوق، بما يحفظ للمستهلك حقوقه دون أي تحيز مع أو ضد الشركات وقطاع الأعمال.

وفي المملكة يستمر التساؤل عن دور جمعية حماية المستهلك التي يحتاج إليها الجميع لارتباط البضائع والخدمات بأرواح وحقوق المستهلكين، حيث ذكر عبد المحسن الشنيفي مدير عام إدارة القيود المشرف على وحدة إدارة المخاطر في مصلحة الجمارك في ورشة عمل في غرفة الشرقية الأسبوع الماضي، تمكن مصلحة الجمارك من إيقاف شحنة إطارات أكثر من مليون إطار ثبت عدم مطابقتها للمواصفات القياسية، وتم إيقاف دخولها للأسواق المحلية في العام الماضي ـــ تبعاً لخبر ''العربية نت'' يوم الثلاثاء 24/5/2011! بمعنى آخر كانت شحنة الإطارات غير المطابقة للمواصفات القياسية ستهدد حياة 250 ألف سائق سيارة على الأقل!!

بداية، أقر مجلس الوزراء الموقر تأسيس جمعية حماية المستهلك في أواخر كانون الثاني (يناير) 2008، التي تهدف تبعاً للمادة الرابعة من تنظيم جمعية حماية المستهلك إلى العناية بشؤون المستهلك ورعاية مصالحه والمحافظة على حقوقه والدفاع عنها، وتبنّي قضاياه لدى الجهات العامة والخاصة، وحمايته من جميع أنواع الغش والتقليد والاحتيال والخداع والتدليس في جميع السلع والخدمات والمبالغة في رفع أسعارها، ونشر الوعي الاستهلاكي لدى المستهلك، وتبصيره بسبل ترشيد الاستهلاك. أما الاختصاصات التي وردت في المادة الخامسة من تنظيم جمعية حماية المستهلك فتتضمن تلقي الشكاوى ورفعها للجهات المختصة، مساندة جهود الجهات الحكومية المعنية بحماية المستهلك، إعداد الدراسات والبحوث والمعارض، توعية المستهلك، اقتراح الأنظمة ذات الصلة بحماية المستهلك، وتمثيل المستهلك في اللجان والهيئات المحلية والدولية المرتبطة بحماية المستهلك. إذن، على الرغم من الأهداف الرائعة التي وردت في المادة الرابعة من التنظيم، إلا أن اختصاصات الجمعية التي وردت في المادة الخامسة تحولها إلى جمعية شكلية، غير فاعلة بتاتاً، وليس بإمكانها حماية المستهلك بأي شكل من الأشكال، خصوصاً أن أمورا اقتصادية أخرى كالاحتكار وهيكل السوق والمنافسة تؤثر تأثيراً مباشراً في فاعلية وجدوى وجود هذه الجمعية، بجانب عدم قدرة الجمعية على مقاضاة الشركات أو الجهات الحكومية التي قد تتعدى على حقوق المستهلك، أي أن الجمعية هي عبارة عن مراسل دوره ينحصر في التبليغ ونقل الشكاوى، مع العلم بأن الجمعية فشلت في التعامل مع الحجم الهائل من الشكاوى. وهذا ما ثبت خلال السنوات الماضية التي لم نجد خلالها أي دور يذكر لهذه الجمعية غير خلاف مجلسها مع رئيسها، وغير عدد من الوثائق والمراسلات إلى بعض الشركات السعودية التي لا تتعدى أصابع اليد الواحدة، ومعظمها لم تلتفت إليه الشركات لعدم احترامها الجمعية!!

وتتضمن مصادر تمويل الجمعية تبعاً للمادة الثامنة عشرة من التنظيم الصادر عن مجلس الوزراء رقم (3) وتاريخ 12/1/1429 هـ: الإعانات الحكومية، ريع المطبوعات والندوات، عوائد الاستثمار، اشتراكات العضوية، الهبات والتبرعات والأوقاف، نسبة 10 في المائة من رسوم تصديق الوثائق التجارية التي تتقاضاها الغرف التجارية في كل منطقة، والموارد الأخرى التي يقترحها المجلس وتقرها الجمعية. وعلى الرغم من القرار الوزاري، إلا أن التقرير الذي أورده الزميل عبد الهادي حبتور في ''الاقتصادية'' يوم الإثنين الماضي 23/5/2011، أوضح أن وزارة التجارة والصناعة تدرس ''... إمكانية تخصيص مبلغ يصرف على جمعية حماية المستهلك بعد أن امتنعت الغرف التجارية السعودية عن تنفيذ قرار مجلس الوزراء القاضي باستقطاع 10 في المائة من رسوم التصاديق التي تتقاضاها الغرف التجارية الصناعية لدعم ميزانية جمعية حماية المستهلك''. وقد عللت الغرف التجارية ذلك بوجود تضارب للمصالح حين تقوم بتمويل جمعية حماية المستهلك وهي المفروض منها ـــ أي الجمعية ـــ أن تراقب التجار الذين يساهمون بدفع المبالغ والرسوم للغرف التجارية.

ومن باب المقارنة، يتبع مكتب حماية المستهلك في الولايات المتحدة مفوضية التجارة الفيدرالية الأمريكية؛ وهي هيئة حكومية مستقلة مهمتها الأساسية حماية المستهلك ومكافحة أنواع الاحتكار الضارة بالمنافسة وقوى السوق. ويتبع للمفوضية ثلاثة مكاتب هي: حماية المستهلك، المنافسة، والاقتصاد. ويقوم مكتب حماية المستهلك بإجراء التحقيقات ورفع القضايا في المحاكم على الشركات والأفراد المخالفين للقوانين بجانب تطوير قواعد لحماية المستهلكين، والقيام بمهام تعليمية وتوعوية للمستهلكين والشركات بهدف توضيح الحقوق والواجبات لكل طرف من الأطراف. كما يستقبل المكتب شكاوى التحايل وانتحال الشخصية وتوفيرها للوكالات الأمنية المتخصصة. ويتكون مكتب حماية المستهلك الأمريكي من سبعة أقسام متخصصة تشمل عمليات الإعلانات، تعليم وتثقيف الأفراد والشركات، قسم تطبيق الأحكام ومتابعتها، قسم الممارسات المالية، الممارسات التسويقية، التخطيط والمعلومات، وقسم الخصوصية وحماية الهوية. لذا، وبناء على صلاحيات هذا المكتب، من المستبعد أن تتجاوز الشركات الأمريكية كشركات الاتصالات حقوق المستهلكين، لأن أي مطالبة من هذا المكتب ستتبعها خطوات لاحقة تتضمن قضايا ومحاكم وتكاليف وأضراراً كبيرة بالإمكان تلاشيها بالتعاون الإيجابي مع جمعيات حماية المستهلك واتباع توجيهاتها المستمدة من حقوق المستهلكين وواجبات الشركات.

وأخيراً، لم تستطع جمعية حماية المستهلك في المملكة الاقتراب من حماية حقوق المستهلك كأن يتمكن المواطن من ممارسة حق وحرية تغيير خط الهاتف الجوال من مشغل إلى آخر مثلاً، كما لم تتمكن الجمعية من إصدار بيان عن حليب الأطفال المحتوي على مواد خطرة صرحت عنها هيئة الغذاء والدواء كمثال آخر، ولم تتمكن الجمعية فوق كل ذلك من كسب أي مصداقية أمام المستهلكين والاقتصاديين والمراقبين؛ لذا، من المهم أن تتم مراجعة ''تنظيم جمعية حماية المستهلك'' ليكون ''تنظيم جمعيات حماية المستهلك''، والشروع في إنشاء هيئة عامة متخصصة ومستقلة استقلالاً تاماً عن الجهات الحكومية والقطاع الخاص ومستقلة عن جمعية حماية المستهلك الحالية أيضاً، وبميزانية مستقلة كي تتمكن من مراقبة وحفظ حقوق المستهلكين بحرفية واستقلالية وجرأة يحتاج إليها الاقتصاد لتقليل الهدر وتحفيز الصناعة الوطنية عالية الجودة، كما يحتاج إليها المجتمع من خلال الحفاظ على صحة وسلامة المستهلكين ورضاهم العام عن الخدمات والمنتجات.