إشارات متناقضة تصدر من هنا وهناك عن حجم السيولة المتوقع في السوق القطري في النصف الثاني من العام، بعضها يرسم صورة وردية عن مستقبل التدفقات النقدية المحتملة إلى بورصة قطر بعد الترفيع المحتمل لتصنيفها من مؤسسة مورجان ستانلي، والبعض الآخر يتخوف من سحب السيولة من السوق المحلي بوسائل متعددة. وبين التفاؤل والحذر، تمر البورصة القطرية في مرحلة تراجع لم تشهدها منذ ثمانية شهور، حيث انخفض حجم التداول في الأسبوع الماضي إلى ما دون المليار ريال، بعد سلسلة من التراجعات انخفض معها مستوى التداول عن المعدلات المرتفعة والتي كانت تزيد عن نصف مليار ريال يومياً، ليصل في الأسبوع الأخير إلى أقل من 200 مليون ريال فقط. ويحدث ذلك في وقت بشرت فيه أوساط البورصة القطرية بتدفقات محتملة من مستثمرين أجانب قريباً قد تصل مع نهاية النصف الثاني من العام إلى 7 مليار ريال.
وفيما يتعلق بالتوقعات الإيجابية للتدفقات المتوقعة في النصف الثاني من العام نشير باختصار إلى أن أسواق الأسهم في العالم تٌصنف إلى أسواق متقدمة؛ كما هو الحال في بورصات نيويورك ولندن وطوكيو وفرانكفورت وباريس وغيرها، وتتميز جميعها بتطورها التقني العالي وانفتاح المستثمرين من جميع أنحاء العالم عليها، مع ضخامة رساميل الشركات المُدرجة فيها، وشفافية الحصول على معلوماتها والقدرة على إتمام الصفقات معها من أي مكان في العالم بحرية وأمان. وكثير من بورصات الدول النامية لا تتحقق فيها هذه الشروط، ولكن بعضها استطاع إحراز تطور ملحوظ في العقدين الأخيرين، وبات لدينا أسواق ناشئة توفر فرصاً جيدة للمستثمرين، وأخرى لا زالت أقل انفتاحاً على العالم حيث لا تسمح أو أنها غير مؤهلة بعد لدخول الاستثمارات الأجنبية الضخمة إليها. وقد عنيت مؤسسة مورجان ستانلي بإصدار مؤشرات للبورصات الناشئة وأخرى للأسواق المحدودة، بحيث يستطيع المستثمرين الأجانب التعرف على أوضاع أسواق الأسهم ذات الفرص الواعدة. ويندرج مؤشر بورصة قطر حالياً -مثله في ذلك مثل الكويت والإمارات والسعودية- ضمن المؤشر المحدود بأوزان نسبية تتقدم فيها الكويت على قطر والإمارات. ولكن الجهود المبذولة من جانب البورصة القطرية منذ قرابة العام لتهيئة التداول في البورصة القطرية أمام المستثمرين الأجانب، وزيادة الرسملة في السوق القطري نتيجة الزيادات التي طرأت على رؤوس أموال الشركات، وبسبب ارتفاع قيمة المؤشر، قد فتح الباب أمام بورصة قطر وربما الإمارات لترفيعها إلى بورصة الأسواق الناشئة، وذلك بدوره قد يسمح بحدوث تدفقات مالية من الأجانب إلى السوق القطري قدرها مختصون بقرابة 7 مليار ريال.
ولكن على الناحية الأخرى، تبدو الأمور غير طبيعية على أرض الواقع في البورصة من حيث أن التباشير القادمة لم تُفلح في إحداث زيادة في الطلب على الأسهم ينشأ عنه ارتفاع في المؤشر العام وزيادة في أحجام التداول، بل العكس هو ما حدث في الأسابيع الأخيرة، فهل كان ذلك بسبب الاكتتاب في زيادة أسهم الوطني التي سحبت من السوق سيولة بقيمة 12.7 مليار، دفعتها الحكومة والقطاع الخاص مناصفة؟؟ أم أن قيام المركزي بإصدار أوذنات خزينة بقيمة 2 مليار ريال من البنوك قد سحب جزءاً من السيولة لصالح الحكومة؟ الجدير بالذكر أن الأوذنات هي نوع من السندات الحكومية قصيرة الأجل تستخدم الحكومة حصيلتها للإنفاق العام، وقد وعد المركزي بأن يتكرر مثل هذا الإصدار في الشهور القادمة بما يعني مزيد من السحب للسيولة. وإضافة إلى ذلك فإن التوقعات بتداول السندات في البورصة سيسحب جزء من السيولة المتاحة في سوق الأسهم.
ثم إن مستويات أسعار الأسهم في البورصة قد استقرت فوق 8600 نقطة بانخفاض 7.5% عن أعلى مستوى في يناير الماضي، وكان من المتوقع أن يحدث تصحيح أكبر للأسعار بعد موسم توزيع الأرباح، ولكنه لم يحدث، بل إن بعض المستثمرين الأجانب على ما يبدو قد استبقوا رفع التصنيف المرتقب للبورصة القطرية فأقدموا على الشراء بالفعل في الفترة الماضية كما تشير إلى ذلك الأرقام. فهل يقبل الأجانب بالاستثمار عند مستويات مرتفعة نسبياً لأسعار الأسهم؟ وعلى سبيل المثال تم الاكتتاب في زيادة أسهم الوطني بنسبة 25% بسعر 100 ريال، وكان من المنتظر أن ينخفض سعر السهم في السوق، إلا أنه حافظ على مستواه السابق فوق 145 ريالا بعد إدراج الزيادة للتداول.
الجدير بالذكر أن تدفق الاستثمارات الأجنبية على بورصة قطر ليست خيراً خالصاً لأن هذه الأموال تسعى إلى تحقيق الربح، وإذا ما تُركت تدخل وتخرج بدون قيود فإنها ستؤثر سلباً على تحركات المؤشر ومستويات الأسعار وهو ما قد يجلب الضرر للمستثمرين المحليين.
ويظل ما كتبت رأي شخصي يحتمل الصواب والخطأ ... والله أعلم.
كل الشكر لك استاذنا على التحليل الاساسي للسيولة وارجو تحليل اوسع في قابل الايام