نطاقات وزارة العمل

21/05/2011 3
د. قصي الخنيزي

أوردت الزميلة ''الرياض'' نفي ''وزير العمل السعودي المهندس عادل فقيه، في بيان صادر عنه ونشر على جريدة ''الرياض'' (الثلاثاء الماضي 17/5/2011)، توقعه خروج ما بين 30 و40 في المائة من المنشآت الخاصة من السوق بعد تطبيق برنامج نطاقات، مؤكدا أنه لم يقل هذا الكلام ولا يتوقعه ولا يأمله''. حقيقة، هذا النفي السريع جاء في وقته خصوصاً أن خروج هذا العدد الهائل من منشآت القطاع الخاص ليس منطقياً، فنسبة 40 في المائة من منشآت القطاع الخاص المشمولة في بيان المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية لعامي 2008/2009 يبلغ نحو 86.7 ألف منشأة يملكها نحو العدد نفسه من المواطنين. فهدف السعودة هو بلا شك هدف سام وملح ومنطقي ويجب أن يكون على رأس الأولويات الاقتصادية بشكل يضمن ويتزامن مع النمو الاقتصادي، تحفيز مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي، التركيز على نوعية توطين الوظائف بجانب كمية التوطين، والتناسق بين مختلف الأهداف الاقتصادية لكي تصب في المصلحة الوطنية في النهاية.

بداية، وقبل البدء في تناول موضوع التوطين أو السعودة في القطاع الخاص، أؤكد أن الفيصل هنا في القطاع الخاص هو فرق التكلفة والإنتاجية بين المواطن والوافد فقط لا غير. وبالرياضيات، إذا ارتفعت معادلة الإنتاجية مقسومة على التكلفة لأي أيد عاملة، فإن القطاع الخاص لن ينتظر أية توجيهات أو ترغيبات أخرى، بل سيتجه لخيار تعظيم المنفعة والعوائد. فإذا ارتفعت المعادلة الرياضية للموظف السعودي على الوافد، فسيجد السعودي وظيفة في القطاع الخاص، وإذا تفوقت المعادلة الرياضية ومالت لمصلحة العمالة الوافدة، فسيختار القطاع الخاص العمالة الوافدة ـــ مهما كتبت في الإعلام من مانشيتات. وبالاطلاع على الشرح غير الوافي لبرنامج نطاقات في موقع وزارة العمل يتبين أن هدف ''الوزارة من خلال برنامج ''نطاقات'' إلى استخدام معدلات توطين الوظائف كميزة تنافسية بين منشآت القطاع الخاص تؤهل المنشآت الملتزمة والواقعة داخل ''النطاق الأخضر'' من الحصول على حزمة من التسهيلات والمحفزات، مما يسهل من معاملاتها العمالية ويعطيها المرونة الكافية لتحقيق مستويات نمو متصاعدة، كما يهدف البرنامج إلى خلق قدر من التوازن بين مميزات التوظيف للعامل الوافد والعامل السعودي من خلال رفع تكلفة الاحتفاظ بالعمالة الوافدة في المنشآت ذات معدلات التوطين المتدنية''.

هذه الأهداف الواردة في برنامج ''نطاقات'' منطقية وتستهدف توطين الوظائف كميزة تنافسية ومن الواضح أنها تستهدف معادلة الإنتاجية إلى التكلفة الرياضية السابق ذكرها، إلا أن النقطة الأخيرة المتمثلة في رفع تكلفة الاحتفاظ بالعمالة الوافدة في المنشآت ذات معدلات التوطين المتدنية هي نقطة ضبابية وتقفز على مرحلة استقدام العمالة الوافدة بداية، كما أنها تفتقد إلى التمييز بين الكم والنوع في الاستقدام وشغل الوظائف. فالسؤال في هذه النقطة، كيف تتمكن المنشأة من تجاوز ارتفاع تكلفة الحفاظ على العمالة الوافدة واستبدالها بعمالة وكفاءات سعودية؟ هنا، وللإجابة عن هذا السؤال، يجب أن يكون هناك دليل مكتوب وواضح المعالم للقطاع الخاص ليتعلم ويَعلم كيف يقوم بنقل المعرفة وثقافة الإنتاج والعمل من العمالة الوافدة إلى الكفاءات الشابة السعودية ضمن منظومة تدريبية وتأهيلية واضحة. فبعض الجهات التنظيمية للقطاعات الخدمية اشترطت توظيف السعوديين في مناصب معينة، ولكن دون اشتراطات لمن سيحل لاحقاً والكفاءة ومتطلبات القبول بشكل قاطع وواضح يحكم فيه القضاء والجهات التشريعية إذا حدث الاختلاف بين الموظف السعودي المؤهل والجهة الموظفة أو التنظيمية، وهنا يجب أن تأخذ وزارة العمل موقفاً واضحاً. فنجد في بعض أقسام القطاع الخاص ولسنوات مديرا عاما سعوديا، ويتبعه سعودي، ولكن دون أن يكون أي ممن يتدربون في قسمه من السعوديين، أي أن المدير العام يتم إسقاطه من أقسام أخرى ''لسد حاجة السعودة'' فقط لا غير.

ختاماً، إن توطين الوظائف ليس مهمة وزارة العمل فقط، فالجهات الحكومية التنظيمية والتشريعية الأخرى مسؤولة عن ذلك أيضاً، ومن المهم أن تقوم وزارة العمل بدراسة كل قطاع على حدة والتفريق بين كم التوطين ونوعه. وإضافة إلى ذلك، من الضروري أن تقوم وزارة العمل بوضع استراتيجية وآليات لنقل المعرفة من العمالة الوافدة إلى المواطنين ضمن هيكل تدريبي واشتراطات واضحة تضمن انتقال المعرفة التي ستصب أولاً وأخيراً في مصلحة الاقتصاد الوطني وتكامل عناصر الإنتاج.