أرسلت اللجنة الدائمة للإسكان هذا الأسبوع إلى المنتسبين إليها والذين حضروا مؤتمر الإحصاء في نوفمبر الماضي، استبياناً إلكترونياً بهدف الإجابة على أسئلته، ومن ثم تمرير الاستبيان إلى زملائهم من المواطنين والمقيمين في جهات العمل المختلفة. وقد جاء الاستبيان تحت عنوان " من أجل حياة أفضل للسكان""، وتضمن أربع مجموعات من الأسئلة غطت موضوعات: النمو السكاني، والتركيبة السكانية، النمو الحضري، الإسكان، القوى العاملة. ويطرح الاستبيان قضايا هامة للنقاش لحاضر قطر ومستقبلها، وقد أسعدني أن المشاركة فيه لم تقتصر على القطريين فقط وإنما امتدت أيضاً لتشمل المقيمين الذين تجاوزت مدة إقامتهم 5 سنوات. وباعتباري من هذه الفئة وبمدة إقامة تجاوزت الأربعين عاماً، فقد سارعت إلى الإجابة على الأسئلة المطروحة ، بتبصر وروية، وعممت الاستبيان على الزملاء في العمل على أمل المشاركة فيه أيضاً. ويهمني الترويج لهذا الاستبيان عبر مقالي الأسبوعي حتى يعمل أكبر عدد من المهتمين بموضوع السكان في قطر على المشاركة الفاعلة بآرائهم من أجل أن تصل اللجنة الدائمة للسكان إلى نتائج جيدة تساعد في بناء غد أفضل للجميع. ويهمني في مقال اليوم إلقاء الضوء على أحد الجوانب الأربعة التي يتكون منها الاستبيان وهو الجانب المتعلق بالنمو السكاني والتركيبة السكانية.
وكان السؤال الأول في ذلك عما إذا كان بالإمكان الحد من استقدام العمالة الوافدة مع استمرار تطبيق خطط التنمية الحالية في الدولة؟ وكانت إجابتي على ذلك بالنفي باعتبار أن خطط التنمية الحالية قد تضمنت توسعاً كبيراً في الإنتاج الصناعي والخدمات وفي مجال الطاقة وأنها قد رفعت معدل النمو الاقتصادي إلى أعلى المستويات إذ كانت تزيد عن 15% بالأسعار الثابتة، فضلاً عن أنها كانت تصل إلى 30% أو أكثر بالأسعار الجارية، ومثل هذا النمو المتسارع، قد أدى إلى مضاعفة عدد السكان ما بين تعدادي 2004 و 2010 بأكثر من 125%. وقد اقترح الاستبيان على المستجوبين عدد من الطرق للحد من استقدام العمالة الوافدة منها تحديث وسائل الإنتاج لتستوعب أعداداً أقل من العاملين.
والحقيقة أن مثل هذه الاقتراحات وغيرها تساعد في التخفيف من حدة الاعتماد على العمالة الوافدة ولكنها لا تلغيها، باعتبار أن الفجوة السكانية كبيرة ما بين الطلب على قوة العمل-حتى في ظل معدلات نمو معتدلة جداً- وبين المعروض من قوة العمل القطرية فقط. وهذا الخلل ناتج عن وجود جالية عربية وأجنبية كبيرة تعيش في قطر وكثير من عناصرها هم من مواليد هذا البلد الطيب، وبالتالي إذا تم تجاهل التدفقات من هذه الفئة من الجامعات القطرية والأجنبية إلى سوق العمل، وتم البحث عن الكوادر اللازمة للمشروعات من الخارج، فإن مشكلة التوسع السكاني سوف تستمر بأكثر مما تحتاجه البلاد، أو تخطط له.
وللخروج من هذا المأزق لا بد من القبول بفكرة تباطؤ النمو الاقتصادي ليكون في الحدود المقبولة اقتصادياً أي بما لا يزيد بالأسعار الحقيقية عن 5% سنوياً. وفي ظل هذا المعدل تكون خطط التنمية أقل اندفاعاً في الوصول إلى غاياتها المرجوة فيقل الطلب على العمالة الأجنبية. ويطرح الاستبيان حلولاً أخرى تساعد ولا شك في عملية السيطرة على النمو السكاني، وتتمثل في زيادة مشاركة المرأة القطرية في النشاط الاقتصادي، والتوسع في تدريب القطريين على القيام بجميع أنواع العمل، ومنح العاملين منهم في المهن اليدوية امتيازات خاصة، ومحاربة المتاجرين باستقدام العمالة الوهمية.
كما تتضمن تلك الاقتراحات التوسع في سياسة منح الوافدين المتميزين الجنسية القطرية، وذلك في تقديري يزيد من الإخلاص والولاء للوطن. فالمقيمين الذين تنطبق عليهم شروط قانون منح الجنسية سواء في ذلك شرط الإقامة الطويلة مع حُسن السير والسلوك، والمساهمة بإيجابية في خدمة قطر في كافة المجالات، أو الذين يكون لديهم إنجازات علمية واختراعات، أو الذين حصلوا على جوائز علمية محلية ودولية، أو الذين استثمروا مدخراتهم في هذا البلد، كل هؤلاء يمكن أن يكونوا إضافة حقيقية لسكان قطر فترتقي بهم البلاد وتتوسع بهم.
ويندرج في نفس المسعى منح أولاد وبنات القطريات المتزوجات من أجانب الجنسية القطرية، وخاصة إذا كانوا من مواليد قطر وأقاموا فيها لبعض الوقت، وهو من الأعراف الدولية المعمول بها في الدول المتقدمة، ويعمل الأخذ بها على رفع تصنيف قطر على مقياس التنمية البشرية.
ويظل ما تقدم أعلاه رأي شخصي ، أسعى من خلاله للتنوير والتثقيف، بما يساهم في بناء مجتمع سكاني متقدم ومتطور، ومن أجل حياة أفضل للسكان....