تشير أرقام المجاميع الاقتصادية والمالية المختلفة إلى أن الاقتصاد القطري-بدون القطاع العام- كان يتباطأ في شهر مارس الماضي، وأن هذا التباطؤ ربما امتد في شهر إبريل أو إلى ما هو أبعد من ذلك. وكما هو معروف فإن بيانات الناتج المحلي الإجمالي عن الربع الأول لن تظهر في الغالب قبل شهر أو اثنين، ولكن بعض المجاميع والمؤشرات الأخرى يمكن أن تشرح ما توصلتُ إليه من استنتاج بهذا الخصوص، وخاصة بيانات القطاع المصرفي، ومعدل التضخم، ومؤشر بورصة قطر. وهذا التباطؤ في أداء الاقتصاد يؤكد سلامة الخطوة التي اتخذها مصرف قطر المركزي في شهر إبريل بإحداث تغيير مهم في سياسته النقدية عن طريق خفض سعر فائدة المصرف بواقع نصف نقطة مئوية، إلى 1% للإيداع، و5% للإقراض. ومع ذلك فإن التباطؤ الذي تشير إليه الأرقام قد يتطلب تخفيضات أخرى تُصيب سعر فائدة المصرف للإقراض بالذات لكونه عند مستوى 5% لا يزال مرتفعاً ولأنه بات مرتبطاً بسقف سعر الإقراض الذي تتعامل به البنوك مع جمهور المقترضين والمتمولين. وألخص بداية المؤشرات التي توحي بتباطؤ الاقتصاد في شهر مارس، وربما في الأسابيع التالية له:
1- أن معدل التضخم في مارس قد انخفض إلى 1.69% مقارنة بـ 1.78% في شهر فبراير، ورغم أن التراجع محدود جداً، إلا أنه مؤشر على توقف التصاعد في قيمته والذي استمر نحو عام كامل ليتحول من السالب إلى الموجب في ديسمبر 2010. ورغم أن كل مكونات المؤشر الفرعية قد سجلت ارتفاعات محدودة ما بين مارس 2010 ومارس 2011، إلا أن استمرار التراجع في مؤشر الإيجار قد أبقى معدل التضخم عند مستوى متدني بوجه عام مع انخفاضه في مارس عما كان عليه في شهر فبراير.
2- أن مؤشر البورصة-وإن كان قد ارتفع في مارس بمعدل 6.6%، إلا أن هذا الارتفاع كان في إطار التصحيح للانخفاض الحاد بنسبة 9.3% الذي لحق بالمؤشر في شهر فبراير نتيجة الأحداث السياسية الساخنة في المنطقة في تلك الفترة ، ومن ثم فإن قياس التغير في المؤشر عند نهاية مارس عما كان عليه الحال مع نهاية يناير، يُظهر أن المؤشر قد انخفض بنسبة 3.3%، كما أن حركة المؤشر قد دخلت منذ نهاية مارس في تباطؤ بحيث أنه كان عند الإقفال يوم 5 مايو أقل مما كان عليه يوم 31 مارس بأربع نقاط. ويضاف إلى تباطؤ المؤشر أن أداء الكثير من الشركات المساهمة كان أضعف مما كان عليه في فترات سابقة، وقد شرحت في مقال سابق هذا الموضوع وبينت أن عشراً من الشركات قد تراجعت نتائجها عن الربع الأول من العام 2010، وأن 13 شركة أخرى قد زادت أرباحها بنسب محدودة لا تتجاوز في أقصاها 15.4%، إضافة إلى استمرار خسائر شركتي فودافون والطبية.
3- أن الميزانية المجمعة للبنوك قد أظهرت تراجعاً في موجودات ومطلوبات البنوك في شهر مارس بمقدار 2.8 مليار ريال عن نهاية فبراير، كما أن إجمالي الودائع قد انخفض بمقدار 16.9 مليار ريال، وأن كل الانخفاض قد طرأ على الودائع الحسابات الجارية، في حين أن ودائع التوفير ولأجل قد سجلت ارتفاعات محدودة. كما انخفض إجمالي التسهيلات الائتمانية التي قدمتها البنوك في شهر مارس بمقدار 1.8 مليار ريال.
هذه التطورات التي حدثت على أهم المجاميع الرئيسية للقطاع المصرفي وعلى معدل التضخم، وعلى مؤشر البورصة، ونتائج الشركات المدرجة فيها، تشير إلى أن أداء الاقتصاد في قطر كان يتباطأ، وإن كان ارتفاع أسعار النفط، وارتفاع إنتاج الغاز وسوائله، سوف تعمل في النهاية على إظهار أن الاقتصاد قد سجل في نفس الفترة معدلاً مرتفعاً للنمو.
ولكن إذا ما استثنينا قطاع النفط والغاز، فإن القطاعات الأخرى قد تباطأ نموها في الربع الأول، وخاصة منذ شهر مارس، وربما يتعمق ذلك في شهري إبريل ومايو وهي الفترة التي تتدخل فيها الكثير من منشآت النفط والغاز والصناعة في عمليات صيانة دورية، تقلص من إنتاجها. كما سيكون لقرار خفض سقف الإقراض من البنوك إلى 6.5% تأثير سلبي على نشاط القطاع المصرفي في الربع الثاني من العام.
من أجل ذلك كله أقترح أن يتم خفض سعر فائدة الإقراض من المصرف بنسبة تتراوح ما بين1-1.5% ليصبح السعر 4 أو 3.5 % فقط ولو على مرحلتين، مع الإبقاء على سقف الإقراض عند مستوى 6.5% بحيث تصبح معادلة السقف : سعر المصرف +2.5 أو 3% . هذا التغيير يقلص تكلفة المال للبنوك، ويساعدها على تنفيذ التنشيط المطلوب للإقراض والتمويل الاستهلاكي، كما يقلص من معدلات فائدة القروض للشركات دون أن تتحمل البنوك العبء الأكبر في ذلك. ومن شأن تنفيذ اقتراح التخفيض المذكور أن يقلص الهامش بين سعري فائدتي المصرف –أي بين فائدة الإقراض والإيداع من المصرف- من 4 نقاط مئوية في الوقت الراهن إلى ما بين 2.5 أو 3 نقاط مئوية، وهو هامش معقول، وإن كان لا يزال يعادل عشرة أمثال الهامش الذي كان سارياً لفترات طويلة قبل عام 2003. والمعنى أن أمام السياسة النقدية فرصة كبيرة لتنشيط الاقتصاد إذا ما استمر تباطؤه، وإن كنت بالتأكيد لا أتوقع أن يطول التباطؤ مثلما حدث قبل عشر سنوات باعتبار أن المعطيات الآن جد مختلفة. ويظل في ما كتبت أعلاه رأي شخصي يحتمل الصواب والخطأ, والله أعلم.