عقدت دول البريكس BRICS، التي ترمز إلى الأحرف الأولى من أسماء دول البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا على التوالي، والتي تمثل أكثر دول العالم نموا، اجتماعا في الصين الأسبوع الماضي، وقد قررت هذه الدول أن تدعم مستويات التجارة الدولية فيما بينها.
بنهاية هذه الفقرة لا يبدو أن هناك شيئا مثيرا للاهتمام في الموضوع، فهذه الدول دائما ما تؤكد على هذه النقطة في كافة الاجتماعات التي تعقدها، غير أن هذه الدول أكدت هذه المرة ضرورة السعي نحو استخدام عملاتها الوطنية في تسوية المعاملات التجارية فيما بينها.
الاتفاق شمل أيضا أن تقوم بنوك التنمية في الدول الخمس، بما فيها بنك الصين للتنمية، باستخدام عملاتها المحلية في إصدار الائتمان أو المنح فيما بين هذه الدول، كما سيتم تجنب استخدام الدولار في عمليات التسوية العامة والإقراض بين هذه الدول الخمس، ولكن ماذا يعني ذلك؟
إن ذلك يعني أن الهند عندما تستورد أي سلع من دول المجموعة، على سبيل المثال، من جنوب إفريقيا سوف تدفع لجنوب إفريقيا قيمة وارداتها منها بالروبية الهندية، وجنوب إفريقيا سوف تدفع للصين قيمة وارداتها منها بالراند الجنوب إفريقي، وهكذا وليس بالدولار الأمريكي عملة التسوية الدولية الأساسية للمعاملات التجارية.
إن هذه الخطوة تستهدف تحقيق هدفين في ذات الوقت، الأول هو تدويل استخدام عملات هذه الدول على نحو أوسع مما هو سائد حاليا، بصفة خاصة الرينمينبي، وثانيا وهو الأهم، التخلص من استخدام الدولار الأمريكي في تسوية المعاملات التجارية البينية بين هذه الدول.
هذه الخطوة قد تمثل التطبيق العملي للدعوة التي تطلقها الصين وروسيا منذ فترة بضرورة إصلاح نظام تسوية المدفوعات الدولية الحالي والقائم على استخدام الدولار الأمريكي، والبحث عن عملة تسوية بديلة، فضلا عن ضرورة أن يبحث العالم عن عملة احتياط عالمية بديلة أيضا للدولار الأمريكي.
بعض المحللين على المستوى الدولي نظر إلى الخطوة التي قامت بها مجموعة الـ BRICS على أنها ضربة قاضية للدولار الأمريكي؛ لأنها سوف تعني تنحية الدولار جانبا عن المعاملات التجارية الدولية وبداية اختفاء الدولار كعملة تسوية للمعاملات التجارية الدولية، ولاحقا في تسوية المعاملات المالية الدولية، ولكن هل هذه الخلاصات التي توصل إليها هؤلاء المراقبون صحيحة؟ وهل بالفعل بدأ عهد الدولار الأمريكي في الأفول؟ لكي نجيب عن هذا السؤال بصورة موضوعية وبعيدا عن العاطفة لا بد أن نقيّم حجم الخفض في استخدام الدولار الأمريكي عالميا نتيجة لتطبيق هذا القرار.
فأولا لا بد أن ننظر إلى حجم التجارة البينية بين هذه الدول والتي سيتم تسويتها بالعملات المحلية لهذه الدول ونقارنها بحجم التجارة العالمية التي يتم تسويتها بالدولار، والأهم من ذلك لا بد أن ندرك أن الاتفاق هو حول تسوية المعاملات التجارية بشكل أساسي وليس المالية، ومن المعلوم المعاملات التجارية التي تتم بالدولار تمثل نسبة بسيطة جدا من الاستخدام الدولي للدولار في تسوية المعاملات المالية.
لتكوين صورة واضحة عن أثر هذا القرار قمت بجمع بيانات عن التجارة البينية بين دول الـ BRICS،
وذلك من خلال الدورية المتخصصة في هذا المجال التي يصدرها صندوق النقد الدولي والتي تحمل عنوان إحصاءات اتجاه التجارة Direction of Trade Statistics، والتي تنشر التوزيع الجغرافي لصادرات وواردات كل دولة مع باقي الدول الأعضاء في صندوق النقد الدولي، والمعروضة في الجدول التالي، ومن الجدول يتضح أن إجمالي صادرات مجموعة الـ BRICS لبعضها البعض يتراوح خلال الفترة من 2008 - 2010 بين نحو 140 و215 مليار دولار، أي أن متوسط صادرات دول المجموعة لبعضها البعض هو 173.9 مليار دولار. من ناحية أخرى، فإن إجمالي واردات دول الـ BRICS من بعضها البعض يتراوح بين 178.8 مليار دولار و244 مليار دولار، أي أن متوسط واردات المجموعة من بعضها البعض هو 211.2 مليار دولار. (جدول رقم 1).
لاحظ أن هناك فروقا في القيمة بين الصادرات البينية والواردات البينية، مع أن صادرات دولة ما هي واردات الدول الأخرى والعكس، ومن ثم من المفترض أن تتساوى قيم الصادرات مع قيم الواردات. هذا الاختلاف في القيمة يرجع غالبا لسببين، الأول هو اختلاف أساس تسعير الصادرات عن أساس تسعير الواردات، فالصادرات دائما ما تسعر على أساس السعر Free on Board FOB، أي السعر على ظهر السفينة، بينما تسعر الواردات على أساس السعر Cost, insurance and freight CIF، أي السعر شاملا تكاليف التأمين والشحن البحري.
ولتوحيد أساس التسعير فإننا غالبا ما نستخدم معامل CIF/FOB للتعديل، والذي غالبا ما يكون في المتوسط نحو 1.1. السبب الثاني هو أن هناك احتمال حدوث تزييف في فواتير التجارة بهدف إبراز قيمة الصادرات بأقل من قيمتها والواردات بأقل أو أكبر من قيمتها، وغالبا ما يكون الهدف من تزييف فواتير التجارة الخارجية هو التهرب من الرسوم الجمركية أو الدوران على قوانين النقد الأجنبي، وهو موضوع ربما ألمسه في المستقبل، إذا أحيانا الله.
والآن ماذا تمثل هذه الأرقام على الرغم من ضخامتها من إجمالي التجارة العالمية التي يمول معظمها بالدولار الأمريكي؟.. للتعرف على ذلك قمت بجمع بيانات إجمالي صادرات العالم، وإجمالي واردات العالم من قاعدة بيانات صندوق النقد الدولي والتي تحمل اسم "إحصاءات مالية دولية International Financial Statistics IFS" عن نفس السنوات. والموضحة في الجدول رقم (2).
ومن الجدول يتضح أن إجمالي صادرات العالم خلال الفترة 2008-2010 تراوح بين 12.4 تريليون دولار و16 تريليون دولار، أي بمتوسط 14.5 تريليون دولار، بينما يتراوح إجمالي واردات العالم خلال نفس الفترة بين 12.5 تريليون دولار و16.3 تريليون دولار، أي بمتوسط 14.7 تريليون دولار، ووفقا للجدول فإن نسبة إجمالي الصادرات البينية لدول مجموعة الـ BRICS إلى إجمالي صادرات العالم تتراوح بين 1.1 في المائة و1.3 في المائة، أي بمتوسط 1.2 في المائة، بينما تتراوح نسبة الواردات البينية لدول المجموعة إلى إجمالي واردات العالم بين 1.4 في المائة و1.5 في المائة، أي بمتوسط 1.4 في المائة.
والآن ماذا تعني الحسابات السابقة؟ إن تلك الحسابات تعني أن هناك مغالاة في الحكم على أثر القرار الذي اتخذته مجموعة الـ BRICS على مستقبل الدولار الأمريكي كعملة دولية، وأن المحللين الذين يرون أن ذلك القرار يمثل بداية النهاية للدولار لا يقيمون تحليلاتهم على أساس سليم، بالنظر إلى ضآلة نسبة التجارة البينية بين دول الـ BRICS، والتي لا تزيد على 1.4 في المائة من إجمالي تجارة العالم. (جدول رقم 2).
وللتدليل بصورة أكبر على هذه الخلاصات قمت بمراجعة بيانات المعاملات اليومية التي تتم في سوق النقد الأجنبي، والتي ينشرها بنك التسويات الدولية في تقريره الذي يصدره كل ثلاث سنوات والذي يحمل عنوان "Triennial Central Bank Survey Foreign exchange and derivatives market activity". ووفقا لآخر البيانات، فإن حجم التعاملات اليومي في سوق النقد الأجنبي العالمي يبلغ نحو أربعة تريليونات دولار، أو ما يعادل 1453 تريليون دولار سنويا، ووفقا للجدول فإنه في عام 2010 بلغت نسبة استخدام الدولار الأمريكي في تسوية هذه العمليات 84.9 في المائة من هذه العمليات تمت بالدولار الأمريكي، وهو ما يعني أن التعامل بالدولار الأمريكي في سوق النقد الأجنبي العالمي يبلغ نحو 1233.6 تريليون دولار سنويا. (جدول رقم 3).
معنى ذلك أن نسبة إجمالي حجم التجارة البينية لدول الـ BRICS وفقا لأقصى تقديراته في عام 2011 والذي يصل إلى 244 مليار دولار، إلى إجمالي المعاملات السنوية في سوق النقد الأجنبي بالدولار الأمريكي لا يزيد على صفر في المائة تقريبا.
ماذا يعني ذلك مرة أخرى؟ إن ذلك يعني أن التطبيق العملي لهذا الاتفاق بين دول الـ BRICS لن يخفض الطلب على الدولار على المستوى الدولي في سوق النقد الأجنبي، وأنه على الرغم من التضخيم للآثار المتوقعة لمثل هذا القرار إلا أن الدولار الأمريكي سوف يظل عملة العالم اليوم وفي المستقبل.
أخونا العزيز الدكتور السقا، اشكرك على المعلومات القيّمه والاثراء... لدي استفسار: مامقدار التجاره البينيه حاليا بعملات غير الدولار. الجداول تدل على أن الجواب هو حوالي ١٥ - ١٦٪. إذا كان هذا الجواب، فهل في الإتفاق الجديد تشجيعا لدول أخرى للتعامل بعملاتها مع هذه الBRICS.... البحر مكون من قطرات المطر، وكل قطره لاتعدل شيئا ولكن عاملي الزمن والتراكميه لهما مفعول السحر (اذا نظرنا لها من منظار عشرات السنين، وبالذات لدول كالصين منظورها طويل المدى). هل هذه الملاحظه ذات مردود عملي دكتورنا العزيز؟
اعتقد انها ضربه موجعة لكن غير قاضية وخصوصاً اذا ما تبع هذا التحالف باقي التحالفات المالية العالمية فهي ستكون مأثرة جداً على الدولار
مهما عظمت اسامي هذه الدول فان الدولار الامريكي هو المسيطر وان حلفاء الدولار كثر وكثر جدا والسلع تباع بالدولار قد ضربة ملمة ولكن امريكا وحلفائها لن يقفوا امام هذه التكتلات مكتوفي الايدي ,,,فأمريكا هي التي تستطيع ان تضغط على الصين بشأن عملتها وكذلك ان من بين هذه الدول من هو حليف اكبر لامريكا في تعاملاته التجارية او حتى السياسيه الا وهي الهند ..,,, واعتقد ان هبوط الدولار امر مقلق لشعوب هذه العمله وليس لحكوماتها..... شكرا استاذي على هذه الطرح وعلى هذه المعلومات القيمة
سؤال: كم حجم تجارة النفط بالدولار .. بمعنى هل هي الأكبر و المؤثرة فعلاً و بارك الله فيك
الدكتور احمد السقا , بداية احييك على مقالاتك التي تتمميز بالبعد التقني الأقتصادي بعيدا عن العاطفة وبتوازنها الأكاديمي . عموما ماستغربة بعد تلك النسبة التي لاتسأوي شيا من مجمل التعاملات بالدولار في العالم(ربما توازي تلك القيمة قيمة بضع شركات ذات راسمال كبير في الولايات المتحدة). هو الأصرار على ان تلك ضربة موجعة للدولار والاغرب ان دولة مثل الصين لديها اكبر احتياطي عالمي بالدولار وبالتلي تلك فرصة للتخلي عن بعض الدولارات التي تقوم بجمعها والحصول على خدمات مقابلها وبالتالي تخفيف المخاطرة ككل على الأحتياطي الضخم الذي تمتلكة من الدولارات وعلى العكس سوف تقوم بتلك الخطوة بتراكم الدولار لديها بشكل اكبر لانها سوف تقوم بالشراء بعملة البلد الذي تستورد منة ( ممايجعل تلك العملية عرضة لتقلبات كذا عملة بدلا من مخاطرة عملة واحدة كالدولار) عموما ربما هاذا هو بيت القصيد التعامل بكذا عملة لتخفيض مخاطرت الدولار وليس تجنب الدولار ككل . او ربما تلك خطوة سياسية او نوعا ما عملية لفت انتباة للولايات المتحدة او جرس انذا صغير نوعا ما للعالم عن انخفاض قيمة الدولار ككل .
نور لماذا التطاول على استاذ كبير مثل الدكتور محمد السقا، الدكتور لم يفلس، الدكتور كتاباته خارج ارقام تتابع ما يحدث في العالم وبشكل رائع لم نعد نقرأ للدكتور على ارقام بسبب مداخلات ضعاف النفوس امثالك فقط اريد أن انبه القارئ الى خلفية هذا التعليق المفلس، بالطبع أنت تذكرين جيدا حينما مسح الدكتور بخلفيتك البلاط عندما حاولت ان تتحديه في احد تعليقاتك اذا لا تتذكرين هذا هو الرابط http://alphabeta.argaam.com/?p=13241 فعلا من الصعب ان يتغلب الفرد على ضعف نفسه
أشكرك يا ليث كنت أظن نور تجهل العالم الدكتور محمد إبراهيم السقا. أنصح نور عابد بمواصلة متابعة الدكتور السقا على موقع الاقتصادية الاليكتروني. مازال يكتب بنشاط ومتابع لكل شاردة وواردة في الشؤون المالية.
(واتقوا الله ويعلمكم الله) يا نور: كل شيء ينقص بالأخذ منه إلا العلم فإنه يزيد بإعطائه.
النقد شيء سهل، لكن أن تعمل فهذا هو الصعب، وأن تتميز فذاك الأصعب تحية للدكتور على مقالاته الرائعة، فأنا كباحث في النظام النقدي الدولي استفدت كثيرا من علم الدكتور فجزاك الله خيرا,
من أفضل من أقراء لهم في متابعة الاقتصاد العالمي,, فواصل ولا تلفت لأمثال نور,, فالشجره المثمره هي التي يرميها ملتقطي الفتات. كان بأمكان هذه ال_ نور_ ان لا تقراء طالما ان هذه المقالات لا تعجبها.
الموضوع مره جميل اخواني كنت اود السؤال نعم اخواني كنت اود ان تفيدوني انا قمت بالتسجيل من هذا لرابط وانا اليوم اربح ولكن اود ايداع مبالغ اكبر لكي اكون مطمأن قمت بالتسجيل من هنا http://affiliates.ufxpartners.com/processing/clickthrgh.asp?btag=a_2701b_2422