قد يكون من الصعب إعطاء قراءة وافية لبيانات الموازنة العامة للدولة للعام 2011/2012 في غضون أقل من ساعتين من صدورها، ويزداد الأمر صعوبة عندما يأتي الخبر مجزءاً على ثلاث دفعات وتكون بيانات الإيرادات والمصروفات غير واضحة لعدم وجود جدول محدد المعالم على موقع وكالة الأنباء الذي استقيت منه الخبر. هكذا بدا الخبر لي عصر الخميس ، ومع ذلك قررت أن أغوص في البيان الصادر عن وزارة الاقتصاد والمالية لعلي أقدم للقراء خلاصة ما احتواه البيان من معلومات.
في البداية أشير إلى وزارة الاقتصاد والمالية لم تغير السعر التأشيري لبرميل النفط الذي تبني عليه تقديراتها للإيرادات العامة وبقي عند مستوى 55 دولار للبرميل، مع العلم بأن ذلك يعادل تقريباً نصف السعر السائد في الأسواق العالمية، ولكنها النظرة الاحترازية التي تعتمدها الوزارة منهاجاً لعملها وليس في ذلك غضاضة. ورغم أن السعر لم يختلف فإن الإيرادات المتوقعة قفزت بمقدار 27.5% وبنحو 34.9 مليار إلى 162.5 مليار ريال. وتأتي هذه الزيادة من زيادة إنتاج المكثفات وسوائل الغاز والغاز المسال وليس من النفط الذي ربما ينخفض إنتاجه قليلاً ولا يزيد.
وفي جانب المصروفات أشار بيان الوزارة إلى أن هناك زيادة بنحو 22 مليار ريال وبنسبة 18.7% إلى 139.9 مليار ريال. وأول ما نلاحظه هنا أن الزيادة في نسبة المصروفات تقل بكثير عن نسبة الزيادة في الإيرادات، وذلك يعني أن الحكومة تعي بشكل جيد مخاطر التوسع الزائد في الإنفاق وما قد يسببه من اختناقات في موضوع العرض والطلب، ومن ثم على معدل التضخم. وقبل أن نغوص في تفاصيل المصروفات التقديرية أشير إلى أن الفائض المتوقع في الموازنة الجديدة سيرتفع إلى 22.5 مليار ريال مقارنة بفائض مقدر بلغ 9.7 مليار ريال في موازنة العام السابق 2010/2011، وأن الفائض الفعلي سيكون أكبر من ذلك بكثير إذا ما استمر السعر محلقاً فوق مائة دولار للبرميل أو حتى دونها.
وتتوزع المصروفات التقديرية في العادة على أربعة أبواب تقليدية هي الرواتب والمصروفات الجارية والمصروفات الرأسمالية الثانوية، وبند المشروعات الرئيسية. وتشكل رواتب العاملين في القطاع الحكومي ما نسبته 18% من إجمالي المصروفات أو نحو 25.2 مليار بزيادة 2.3 مليار وبنسبة 10% عن العام السابق، وهذا يعني عدم وجود نية لإحداث زيادة في الرواتب باعتبار أن نسبة العشرة بالمائة تغطي بالكاد الزيادة في التعيينات، والناتجة عن الترقيات والعلاوات. وأما المصروفات الجارية التي تغطي نفقات تشغيل الإدارات الحكومية فتصل إلى 49.6 مليار ريال وتشكل نحو 35% من المصروفات، وهي تزيد بنسبة 9.1% عن السنة السابقة. وفي البند الثالث الذي يغطي المصروفات الرأسمالية للأجهزة الحكومية من قبيل شراء السيارات والمعدات والأجهزة، فإنها تشكل 5% من مصروفات الحكومة أو نحو 7.2 مليار ريال بزيادة 19.6% عن السنة السابقة.
أما المشروعات العامة فتشكل 41.5% من الموازنة العامة وقد ارتفعت بنسبة الثلث عن العام السابق، وبنحو 14.5 مليار ريال إلى 58 مليار ريال في الموازنة الجديدة. وستتوزع هذه المبالغ على مشروعات البني التحتية في مختلف القطاعات وخاصة قطاع التعليم الذي سيحظى بمبلغ 19.3 مليار ريال ( بزيادة 12% عن السنة السابقة)، ثم قطاع الصحة الذي سيستحوذ على 8.8 مليار(بزيادة 3.6%)، ثم قطاع إسكان كبار الموظفين الذي ستخصص له اعتمادات بقيمة 5.2% (أي بزيادة 100%) . كما سيخصص جزء من الإعتمادات للبدء في مشروع ميناء الدوحة الجديد ولإجراء الدراسات المتعلقة بمشروعات السكة الحديد، وأخرى لاستكمال إنشاء مطار الدوحة الجديد، وغيرها للصرف الصحي والطرق والكهرباء والماء.
والخلاصة أن الموازنة الجديدة تعد بالتأكيد هي الأكبر في تاريخ قطر إذا ما نظرنا إليها من جانبي الإيرادات المتوقعة أو المصروفات بأقسامها الرئيسية، ولكنها مع ذلك لا تشي بأية اندفاعه في تنفيذ مشروعات المونديال، فالمبالغ المخصصة لتلك المشروعات غير واضحة في الأرقام المنشورة باستثناء الإشارة إلى اعتمادات -غير مذكورة- لدراسات مشروعات السكة الحديد، وأخرى لاستكمال إنشاء مطار الدوحة الدولي.