البورصة المصرية .. والتحديات المصيرية

23/03/2011 3
محمد سليمان يوسف

في الأزمات الوطنية العظمى تلجأ الدول إلى إغلاق البورصات تفاديا لكوارث لا طاقة للناس على تحملها، ولو دققنا النظر فيما حدث في مصر ما بين 25 و30 يناير لوصفنا ما حصل بالأزمة الوطنية العظمى، وإذا كنا من المقتنعين بهذا التوصيف يمكننا أن نبرر للدولة المصرية تعليق التداول في البورصة خلال الفترة الممتدة من 30 يناير الماضي وحتى صباح يوم الأربعاء 23 مارس 2011.

مما لاشك فيه أن إغلاق البورصة المصرية أجل الإنهيار الذي كان متوقعا حدوثه لو استمرت التداولات يوم 30 يناير وما بعده لكنه لم يلغه وإنما وضع فوقه ضغوطا نفسية ومالية هائلة قد تظهر نتائجها المدمرة في تداولات جلسة يوم الأربعاء الموافق 23 مارس وما بعدها.

من خلال مراقبتي لأداء البورصات العربية والعالمية خلال السنوات العشر الماضية، كونت فكرة قد لا يكون من الصعب التعبير عنها بعدة كلمات، وفي ملخصها أقول: "حركة البورصات في الأزمات كحركة طوفان الماء المتجه إلى البحر قد تعيقه الحواجز والسدود لكنها لن تمنعه في نهاية الأمر من إلقاء كامل ثقله في البحر"، والذي أقصده أن جميع الإجراءات والتدابير والاحترازات المتخذة من الدولة المصرية لن تمنع البورصة يوم الأربعاء (23 مارس) وما يليه من الوصول إلى هدفها الذي وضعته لنفسها قبل إغلاقها في 30 يناير.

قبل إغلاق البورصة المصرية في 30 يناير كانت المشاعر المتمثلة بالقلق والخوف هي المحرك لعمليات البيع التي أفقدت البورصة نحو 12 مليار دولار في جلستي عمل فقط، أما اليوم وبعد انقشاع غبار المعركة ما عاد القلق والخوف التحديان الوحيدان أمام البورصة بل أصبح أمامها تحديات هائلة قد يكون من الصعب حصرها ولكن بإمكاننا ذكر بعضها:

1- التحدي الأول: كيفية امتصاص صدمة "بيع الهلع" هذا البيع الذي سيكون في الدقائق الأولى من زمن الجلسة الأولى والذي سيشكل كرة الثلج التي ستكبر بمرور الوقت لتعبر عن حجم الخوف الكامن في قلوب المستثمرين، وأعتقد أن أي محاولة لايقاف التداول في زمن الصدمة الذي قد يمتد لساعة ستكون بمثابة الكارثة للبورصة.

2- التحدي الثاني: كيفية مواجهة بيع "الكريديت" وهنا لا بد من القول أن أي خطة – لا أعرف إن تم وضع خطة لهذا الغرض أم لا - لمنع شركات السمسمرة من بيع"الكريدت" هي سلاح ذو حدين فإن لم تقم شركات السمسمرة ببيع ما لديها من أسهم مكشوفة فقد تفلس تماما وإن باعت فستغرق السوق بأسهم تزيد قيمتها عن ثلث مليار دولار مما سيزيد الطينه بلة.

3- التحدي الثالث : كيف ستواجه البورصة حجم مبيعات "صناديق الأوفشور" وهل لديها خطة تحصنها من هذه البيوع التي نتوقع أن تكون كبيرة لأن الصورة بالنسبة للاستثمار الأجنبي قد اصبحت واضحة ومن وجهة نظره مصر الآن في ظل "انقلاب عسكري" وأي بلد يقوده العسكر هو بيئة طاردة للاستثمار مهما كانت التطمينات الشفهية كبيرة.

4- التحدي الرابع : الإجابة على سؤال من سيشتري الأسهم الجاهزة للبيع ؟.. إن الإجراء الأهم أمام البورصة المصرية اليوم هو وضع خطة لتوفير مشترين للاسهم فهل توجد مثل هذه الخطة لا أعتقد لأنها تحدي صعب جدا خاصة بعد أكثر من شهر من إغلاق السوق، وعلى متخذ القرار في البورصة المصرية أن يعرف أن أي وقف للتداول خلال الجلسة سيؤسس لاختفاء المشترين لاحقا إذ ما الذي يجبر مستثمر أو مضارب على شراء بضاعة لا يستطيع التصرف بها لاحقا، علما أن الكثير من المضاربين في البورصات يعمل وفق قواعد صارمة على رأسها قاعدة "ستوب لوس" التي تجنبه المزيد من الخسائر.

أعتقد أن ما ستخلفه البورصة المصرية من خسائر مادية للطبقة الوسطى في مصر سيكون كارثيا بكل معنى الكلمة وسيؤثر سلبا على واقعها الاقتصادي والاجتماعي لسنوات عديدة وأعتقد أن الآثار السلبية لخسائر البورصة على الاقتصاد المصري ستكون مشابهة لآثار الأزمة المالية العالمية على الاقتصاد الحقيقي العالمي، لكن ذلك لا يعني ان نقول: " كان الله في عون مصر والمصريين" فحسب بل يجب أن نقول أن الحرية تستحق التضحية والشعب المصري الذي قدم النفس والمال في سبيل ثورته سيكون قادرا على تعويض خسائره المادية خلال سنوات قليلة فالشعب الذي يصنع ثورة جبارة قادر أيضا على صنع اقتصاد مزدهر تركع احتراما له الأجيال القادمة.