منذ فبراير٢٠١١ دخلت مصر مرحلة انتقالية تهدف لبناء نظام مدنى ديمقراطى، لكن هذا المرحلة امتدت لعامين ونصف من حكم المجلس العسكرى ثم الإخوان واتسمت بحالة من عدم الاستقرار السياسى رفعت التكلفة الاقتصادية للمرحلة. لكن لحسن الحظ استطاعت الحكومة تمويل عجز الموازنة والدفاع عن الجنيه مستعينة بالسيولة المرتفعة فى القطاع المصرفى واحتياطى النقد الأجنبى المرتفع فى بداية ٢٠١١، بالإضافة إلى المساعدات الخارجية التى تلقتها مصر خلال هذه المرحلة.
وبعد ٣٠ يونيو، دخلت مصر مرحلة انتقالية جديدة تتسم بالاضطرابات السياسية والتى تطورت لأعمال عنف مما أثر على الاقتصاد الذى لم يكن قد تعافى بعد من المرحلة الانتقالية الأولى. وتزامنت المرحلة الانتقالية الجديدة مع تراجع الأنشطة الصناعية والتجارية المختلفة وتأثر القطاع السياحى بشكل غير مسبوق. ومع انخفاض مستوى السيولة فى القطاع المصرفى واحتياطى النقد الأجنبى مقارنة ببداية ٢٠١١، فإن تحمل تكلفة المرحلة الانتقالية الجديدة داخليا قد يكون شاقا بدون مساعدات خارجية كبيرة، وهو ما يطرح عدة تساؤلات هامة فى هذا السياق:
● أولا: هل تستطيع المساعدات الخارجية إنقاذ الاقتصاد المصرى؟
بالنظر للمرحلة السابقة، نجد أن مصر تلقت مساعدات خارجية من قطر وليبيا وتركيا بحوالى ١٢ مليار دولار. وقد تم استخدام هذه المساعدات بالإضافة إلى الاحتياطى لإحداث توازن فى ميزان المدفوعات والذى تأثر بزيادة الواردات أمام الصادرات وتراجع السياحة والاستثمار الأجنبى. وقد ساعد ذلك فى الدفاع عن الجنيه والذى انخفضت قيمته فقط بنسبة ١٧٪ خلال المرحلة السابقة وهو تدهور أقل بكثير من توقعات الكثير من الخبراء.
أيضا هذه المساعدات الخارجية والسيولة المرتفعة فى القطاع المصرفى ساعدت فى تمويل عجز الموازنة المتصاعد. لذلك فإن المساعدات الخارجية لعبت دورا كبيرا فى تحمل تكلفة المرحلة السابقة وأنقذت الاقتصاد من تدهور كبير. وبناء على وضع السيولة والاحتياطى الحالى، فإن المساعدات الخارجية أصبحت حتمية حتى يستطيع الاقتصاد تحمل تكلفة المرحلة الانتقالية الجديدة، حيث ستساعد فى الدفاع عن الجنيه فى السوق وتخفيف ضغط تمويل عجز الموازنة عن كاهل البنوك المحلة.
● ثانيا: ما هو حجم المساعدات الخارجية المطلوبة حتى لا ينهار الاقتصاد؟
لا يمكن الجزم بمدة المرحلة الانتقالية الجديدة لكن بالتأكيد لن تنتهى فى ستة أشهر ولذلك فافتراض مدة سنة أو سنة ونصف سيكون أقرب للواقع. ولتوقع حجم المساعدات المطلوبة فى هذه الفترة لابد من النظر لعجز الموازنة المتوقع وسداد الديون المستحقة من ناحية، ومستوى تآكل الاحتياطى النقد الأجنبى من ناحية أخرى، حيث إن المساعدات الخارجية تصب فى هذين الاتجاهين.
بالنظر لعجز الموازنة، نجد أن العجز المتوقع فى موازنة العام المالى ٢٠١٣/٢٠١٤ كان حوالى ١٩٥ مليار جنيه، بالإضافة إلى الحاجة لسداد حوالى ١١٥ مليار جنيه ديون مستحقة، مما يجعل الحكومة بحاجة لاقتراض حوالى ٣١٠ مليارات جنيه خلال العام المالى الحالى. لكن التقديرات تشير إلى أن عجز الموازنة الحقيقى قد يصل إلى حوالى ٢٥٠ مليار جنيه، مما يعنى حاجة الحكومة لاقتراض حوالى ٣٥٠ مليار جنيه فى العام المالى الحالى. ولو اعتبرنا أن المرحلة الانتقالية ستطول لسنة ونصف حتى نهاية ٢٠١٤، فإن الحكومة ستحتاج لاقتراض حوالى ٥٠٠ مليار جنيه داخليا وخارجيا لسد العجز وسداد الديون المستحقة.
وبالنظر إلى الاحتياطى، نجد أن معدل التآكل الناتج عن استخدام البنك المركزى للاحتياطى للدفاع عن الجنيه، فى وقت تتراجع فيه عوائد السياحة والاستثمار الأجنبى من الدولار، يصل إلى حوالى مليار دولار شهريا. لكن مع استمرار التدهور الاقتصادى قد يزيد معدل التآكل ليصل إلى ١٫٥ مليار دولار شهريا. ولذلك فإن الاقتصاد سيحتاج فى المرحلة الإنتقالية (يوليو ٢٠١٣ ــ ديسمبر ٢٠١٤) حوالى ٢٥ مليار دولار لدعم الاحتياطى. وهذا الرقم هو توقع مبدئى وقد يزيد لو زاد تعقد الوضع السياسى، وبطبيعة الحال لابد من تمويل هذا الرقم خارجيا لتوفير العملة الصعبة.
بناء على ذلك، يحتاج الاقتصاد حوالى ٢٥ مليار دولار من المساعدات الخارجية فى المرحلة الانتقالية الجديدة. وهذا من شأنه دعم الاحتياطى للدفاع عن الجنيه وكذلك تقليل العبء عن كاهل البنوك المحلية والتى عليها توفير باقى احتياجات الحكومة التمويلية.
● ثالثا: هل يمكن توفر هذا الحجم الكبير من المساعدات فى الفترة القادمة؟
ما إن دخلت مصر المرحلة الانتقالية الجديدة إلا وسارعت بعض الدول الخليجية لتقديم المساعدات لمصر والتى بلغت ١٤ مليار دولار تعهدت بها السعودية والكويت والإمارات. وتغطى هذه المساعدات بالفعل حوالى نصف ما يحتاجه الاقتصاد خارجيا فى المرحلة الانتقالية الجديدة. وبالنظر للمرحلة السابقة، نجد أن المساعدات التى قدمتها الدول الحليفة فى بداية المرحلة لحقها مساعدات أخرى فيما بعد. ولذلك فمن المتوقع أن حزمة المساعدات الأولى سيعقبها مساعدات أخرى لاحقا.
ونظرا لاعتماد الاقتصاد فى هذه المرحلة على المساعدات الخارجية يستشرف الناس أخبارها باهتمام بالغ. وقد تلقت مصر بالفعل جزءا من المساعدات السعودية والإماراتية بلغت حوالى ٥ مليار دولار. وطبقا لمواقف هذه الدول حتى الآن، فإنه من المتوقع الوفاء بالمساعدات المتفق عليها، بل أيضا أن تزيد هذه المساعدات فى الفترة القادمة.
الخلاصة أن المرحلة الانتقالية لها تكلفة اقتصادية وفى ظل انخفاض السيولة والاحتياطى مقارنة ببداية ٢٠١١، أصبح لا مفر من الإعتماد الكبير على المساعدات الخارجية. ومن المتوقع أن يحتاج الاقتصاد حوالى ٢٥ مليار دولار من المساعدات الخارجية لدعم الاحتياطى وتمويل احتياجات الحكومة. وقد تم بالفعل التعهد بتقديم مساعدات بلغت ١٤ مليار دولار، متوقع زيادتها لاحقا لتغطية الفجوة المطلوبة. لكن للتذكرة، هذه المساعدات رغم كونها مسكنات هامة لتحمل تكلفة المرحلة الانتقالية إلا أنها لا تبنى اقتصادا ولا تحقق تنمية.
نقلا عن جريدة الشروق