عندما أقدم مصرف قطر المركزي على إلغاء الفروع الإسلامية للبنوك التقليدية، كان التصريف المنطقي والمخرج المقبول لأنشطة هذه الفروع، هو في بيعها للمصارف الإسلامية القائمة، أو في إدارتها من جانب البنوك التقليدية كمحافظ مستقلة لحين انتهاء آجالها. وكان الحل بالنسبة للموظفين والمقار أن يتم الاستفادة منها في أنشطة البنوك التقليدية أو في نقلها إلى المصارف الإسلامية الأخرى. وخلافاً لهذا التوجه الذي صدر عن مصرف قطر المركزي، ظهرت آراء أخرى تطالب بإنشاء مصرف إسلامي جديد ليستوعب كل أنشطة الفروع الإسلامية المُلغاة. ولم يكن ذلك الاقتراح عملياً بالنظر إلى أنه يتجاهل-في رأيي- أحد الدوافع الرئيسية لقرار إلغاء الفروع وهو وجود طاقات تمويل إسلامي فائضة بما يؤثر على وضع كل المصارف الإسلامية في قطر، ويهدد الاستقرار المالي بوجه عام. وكان هناك رأي آخر طالب به رئيس لجنة الرقابة الشرعية التي أشرفت على الجانب الشرعي في أحد هذه الفروع، وتلخص هذا الرأي في دعوة مجلس إدارة البنك الأم إلى النظر في تحويل البنك إلى بنك إسلامي كامل. ورغم أن هذا الطرح يصطدم بحقيقة وجود طاقات تمويل إسلامي فائضة في قطر بما يعرض البنك بعد تحوله إلى مخاطر تراجع أعماله، إلا أن عملية تحويل النشاط من تقليدي إلى إسلامي تقف دونها العديد من التحديات الصعبة نذكر منها:
1- أن قروض البنك التي تمت بالطرق التقليدية في السنوات السابقة لعدد كبير ومتنوع من العملاء الأفراد والشركات والحكومة، وفي أوقات ولآجال مختلفة يصعب تحويلها إلى تمويل إسلامي باعتبار أنها قروض قد تمت بالفعل وهي في طور التسديد. ومكمن الصعوبة في التحويل أنه يتطلب موافقة كافة المقترضين أو معظمهم على قبول فكرة إعادة ترتيب ما تبقى من قروضهم لتصبح وفق المنهج الذي تعمل به البنوك الإسلامية. وسيتم ذلك دفترياً على الورق دون أن يتكبد العميل أية رسوم جديدة، وفي ظني أن البنك سيعرض على كل عميل أن يدخل معه في ترتيبات تمويل جديدة عن طريق المرابحة مثلاً؛ حيث يتم في كل عملية شراء سلعة ما وبيعها للعميل بالتقسيط بنفس شروط القرض الممنوح له، أي لنفس المبلغ المتبقي عليه وبسعر مرابحة يعادل سعر فائدة القرض، ويكون مقدار القسط متساوي في الحالتين. وبالطبع لن يتم منح المبلغ المتحصل للعميل وإنما سيستخدم في سداد قيمة قرضه القديم، وتتحول علاقة العميل مع البنك بالتالي من مقترض إلى متمول. ومصدر الصعوبة في التنفيذ أن ذلك يتطلب إجراء الاتصالات والعمليات اللازمة مع آلاف العملاء مع كون ذلك سيتكلف جهوداً إضافية من إدارة البنك وجهازها التنفيذي، بما يعني أن التحول لن يتم في فترة محدودة وإنما قد يمتد إلى عدة سنوات، وقد يجد البنك نفسه أمام رفض قسم من عملائه لهذا التحويل وتفضيلهم الإبقاء على علاقتهم بالبنك دون تغيير، إما لأن ظروفهم تغيرت، أو لعدم اقتناعهم بفكرة التحويل أصلاً. وسينعكس ذلك سلباً على قدرة البنك على تحقيق نمو في أعماله، كما ستشهد علاقة البنك بمصرف قطر المركزي اضطراباً خلال فترة التحويل من حيث منهج الرقابة المستخدم وإمكانيات إخضاع أعمال البنك لتعليمات السياسة النقدية. وإذا كان المصرف قد أقدم على خطوته بسبب المشاكل الناتجة عن التداخل بين النظامين الإسلامي والتقليدي في الجهاز المصرفي، فكيف يقبل بحدوث مثل هذا التداخل في أعمال البنك الواحد؟
2- أن أصحاب الودائع لدى البنك وخاصة الذين ليس لديهم قروض بنكية، سيكونون خارج سلطة البنك على التأثير عليهم وقد يفضل الكثير منهم الانتقال إلى بنك تقليدي آخر، بما يعرض وضع البنك إلى هزة مالية.
3- أن البنك سيواجه مشكلة التكييف القانوني لاحتياطياته والتي تقدر بعدة مليارات من الريالات وهي تفوق بالتالي مقدار ما سيخسره من أنشطة التمويل الإسلامي لديه. الجدير بالذكر أن هذه الاحتياطيات قد نشأت عن أرباح البنك المتجمعة في السنوات السابقة، وهي بحسب نظرة البنوك الإسلامية لأعمال البنوك التقليدية أنها فاسدة ولا تقبل التطهير، ويجب أن يتخلص منها البنك في وضعه الجديد، وذلك التصرف يعرض البنك لهزة كبيرة لا يقبل بها مصرف قطر المركزي.
4- أن لدى البنك ضمن موجوداته سندات حكومية وأجنبية بفائدة مالية وعلى البنك أن يسارع بإرجاعها للحكومة ويطلب منها استبدالها بصكوك إسلامية بنفس المبلغ والعائد. كما أن من بين مطلوبات البنك سندات وديون مستحقة للغير ويجب تصفيتها، ولدى البنك استثمارات في أسهم داخل وخارج قطر تحتاج إلى إعادة النظر فيها بالإبقاء على ما هو مقبول وبيع ما يعتبره منهج البنوك الإسلامية غير شرعي، وقد ينتج عن ذلك خسائر مالية للبنك.
5- أن علاقة البنك بالبنوك الأخرى داخل قطر وخارجها ستكون بحاجة إلى إعادة نظر بحيث يتم استبعاد الفوائد من الودائع المتبادلة بينهما فلا يتقاضى البنك فوائد عن ودائعه، ولا يدفع فوائد للبنوك الأخرى عن ودائعها. وقد يستلزم هذا الأمر إعادة بناء تعاملات البنك مع البنوك الأخرى بحيث يركز التعامل مع البنوك الإسلامية ويقلص تعاملاته مع البنوك غير الإسلامية إلى الحد الأدنى.
6- أن موظفي البنك بحاجة إلى إعادة تأهيل بما ينسجم مع مقتضيات التحول إلى بنك إسلامي، وقد يتطلب ذلك الاستغناء عن عدد من الموظفين التقليديين واستبدالهم بعدد آخر ممن لديهم خبرة مصرفية لدى بنوك إسلامية، وذلك شرط ضروري لإقناع العملاء بجدية التحول المقترح.
7- أن عملية التحول يجب أن تحظى بإجماع حقيقي من الجمعية العمومية غير العادية للبنك وبأغلبية كبيرة، وأن يتم ذلك بعد عرض خطة مدروسة للتحول بكامل تفصيلاتها على الجمعية، وأن يكون التصويت على المشروع بطريق الاقتراع السري لا بطريقة رفع الأيدي.
8- أن مثل هذا التحول يتطلب غالباً تغيير جزئي أو كلي في أعضاء مجلس الإدارة، باعتبار أن تحقيق النجاح في هكذا مشروع لا يمكن أن يتم بنفس وجوه الإدارة القديمة، وذلك مطلب قد تُصر عليه الجمعية العمومية للبنك.
والخلاصة أن الفكرة التي طرحها رئيس لجنة الرقابة الشرعية في أحد البنوك الإسلامية تبدو صعبة التطبيق،،،، وأسهل منها بكثير تنفيذ اقتراح مصرف قطر المركزي للتخلص من جزء يشكل 10% من أعمال البنك التقليدي، بدلاً من المخاطرة بتحويل 90% من أنشطته إلى المنهج المقترح. ويظل ذلك رأي شخصي يحتمل الصواب والخطأ،،،،، والله أعلم
يعطيك العافية استاذ بشير على هذه الاضاءات ونحن في انتظار جديدكم لجهة عمل دراسة مقارنة بين اداء البنوك القطرية في السابق ومن سوف يكون الرابح الاكبر منهم من فوز قطر بالاولمبياد.