يشهد القطاع المالي السعودي تحولات كبرى منذ بضع سنوات قليلة، عصبها مزاحمة السوق المالية للبنوك في توفير مصادر التمويل بتحول واضح لقطاع البنوك من البنوك الشاملة Universal Banks إلى البنوك المتخصصة Specialized Banks. فبعد أن كانت البنوك التجارية تضطلع بعمليات البنوك التجارية التقليدية والإقراض وعمليات المصرفية الاستثمارية كأحد المنتجات، تم الفصل بين الأنظمة حين أوكلت مهمة الترخيص للبنوك الاستثمارية إلى هيئة السوق المالية، حيث قامت البنوك التجارية بتحويل تلك الخدمات والمنتجات إلى كيانات جديدة منفصلة ومتخصصة. والحال نفسه ينطبق على نشاطات التأمين المحدودة التي كانت تقوم بها البنوك، تم تنويعها وزيادتها حين تم تحويلها إلى شركات متخصصة بشراكة مع شركات تأمين عالمية في معظم الأحيان. إلا أن هذا الفصل والتغير التدريجي لهيكل البنوك نحو التخصص يطرح عدداً من التساؤلات تتمحور حول إمكانية رؤية المزيد من التخصص في نشاطات أخرى، كالتمويل العقاري، العمليات المصرفية الخاصة، أو حتى الخدمات البنكية الإلكترونية؟
بداية، تقدم البنوك التجارية حالياً منتجات التمويل العقاري، سواء للشركات من خلال مجموعة تمويل الشركات أو الأفراد كإحدى خدمات التجزئة البنكية التي يتم التسويق لها عبر الفروع. أما شركات الرهن العقاري المتخصصة، فقد ابتدأت عمليات الترخيص لها في مجالات التمويل العقاري والتطوير للشركات والأفراد منذ ما يزيد على ثلاثة أعوام، إلا أن حضورها في ميدان التمويل العقاري للأفراد خصوصاً ما زال متواضعاً على الرغم من تسارع نمو عدد هذه الشركات مؤخراً. إضافة إلى ذلك، يلاحظ توجه البنوك التجارية إلى الإسراع في تطوير منتجات تمويل عقاري للشركات والأفراد وبداية التسويق بشكل نشط مقارنة بالسنوات السابقة. وعلى الرغم من أن معظم البنوك تقوم بتوفير منتجات التمويل العقاري مباشرة من خلال فروعها، إلا أن بعض البنوك الأخرى دخلت في تحالفات استراتيجية لتقديم خدمات التمويل العقاري. فمثلاً، قام بنك الاستثمار بالدخول في تحالف استراتيجي رأسماله مليار ريال مع أملاك الإماراتية، البركة للاستثمار والتنمية، وشركة عسير. وكمثال آخر، الشراكة بين البنك العربي الوطني مع شركة دار الأركان، مملكة التقسيط، ومؤسسة التمويل الدولية والمثال الثالث هو شركة دويتشه جلف للتمويل العقاري، التي نتجت عن شراكة بين مصرف الراجحي ودويتشه بنك. وتدل هكذا تحالفات على رغبة كل من المؤسسات المالية والعقارية على الاستفادة من الخبرات المتراكمة لدى الطرفين، حيث إن التمويل هو حرفة البنوك، بينما عمليات التطوير تحتاج إلى خبرات عقارية.
وقد يكون التوجه الذي ابتدأته البنوك الثلاثة مقدمة لموجة من تحويل المنتجات العقارية لدى البنوك إلى شركات قائمة بذاتها تكون البنوك التجارية من مؤسسيها لعدة أسباب. منها توقع سن أنظمة وتشريعات لتنظيم نشاطات الرهن والتطوير العقاري تنطبق على شركات متخصصة للرهن العقاري، ولا تشمل المنتجات العقارية للبنوك التجارية، توفر السوق المالية لطرح الصكوك المدعومة بالأصول والرهونات العقارية والقيام بعمليات إدارة السيولة من خلالها. ومن الأسباب الأخرى التي قد تدفع بقية البنوك التجارية لتأسيس شركات رهن عقاري هو قدرة الشركات المتخصصة على منافسة المنتجات العقارية للبنوك التجارية بتخفيض تكلفة الإقراض عند التمكن من تعويضها من أرباح بيع الوحدات السكنية المطورة إن كانت تتناسب مع احتياجات العملاء وتم تطويرها بكفاءة وحرفية عاليتين.
أما بشأن الهيكل التنافسي المتوقع في سوق التمويل العقاري، فإن تجربة الإقراض العقاري للشركات من قبل البنوك التجارية كانت وما زالت تجربة ناجحة نظراً لتوافر معلومات وافية عن التاريخ الائتماني، ارتباط العميل مع البنك بعلاقات تمويلية أخرى تغطي أنشطة أخرى، وتوافر الضمانات بما يقلل مخاطرة الإقراض العقاري للشركات. وعلى النقيض من ذلك، فإن تجربة منتجات التمويل العقاري للأفراد والمقدمة من قبل البنوك التجارية لم تحظ بالانتشار المتوقع، حتى مع اشتراط تحويل الراتب، لأن قروض الأفراد العقارية بالنسبة للدخل غالباً ما تكون كبيرة جداً. وسبب آخر بضعف التنظيم والتشريعات التي تضمن الحقوق لجميع الأطراف، وارتفاع تكلفة التمويل بشكل كبير جداً يفوق في كثير من الأحيان تكلفة المخاطرة التي يواجهها البنك، أي أن هنالك سلوكا احتكاريا يتنافى مع مبادئ المنافسة الحرة التي يفترض أن تقلل من تكلفة توفير المنتجات والخدمات.
وعليه، من المتوقع أن تقتطع شركات الرهن العقاري حصة في سوق التمويل العقاري للشركات والأفراد من البنوك التجارية إن تمكنت من تصميم منتجات تتمتع بتنافسية مع تلك المقدمة من قبل البنوك التجارية بما يضمن أن عمليات نقل التكاليف التي تنتهجها البنوك التجارية حين تتعدد خدماتها وقروضها للشركات غير مجدية، لأن البنوك التجارية قد تلجأ لهذا الخيار كعائق لدخول المنافسين في التمويل العقاري للشركات Barrier to Entry. إضافة إلى ذلك، فإن توافر الخبرات التطويرية لدى شركات الرهن العقاري وإمكانية تسنيد أو إصدار صكوك مدعومة بالأصول والرهونات العقارية في السوق المالية تشكلان ميزتين تنافسيتين لا تستطيع البنوك التجارية توفيرها في الأولى ولا منافسة تسعير الثانية لتباين تكلفة التمويل بين البنوك والسوق المالية.
أما فيما يخص عمليات التمويل العقاري للأفراد من قبل شركات الرهن العقاري، فمن المتوقع ألا تلاقي صعوبة في النمو بصورة تدريجية والحصول على حصة سوقية كبرى من سوق الإقراض العقاري لتعدد ميزاتها التنافسية كتشريعات التنظيم والتعامل، إمكانية التسعير بطريقة تنافسية نظراً لانخفاض تكلفة توفير الموارد، وقدرتها على ربط العقار المطور بمبلغ التمويل العقاري إن كان العقار الذي يرغب فيه الفرد من تطوير شركة الرهن العقاري نفسها.
وأخيراً، من الواضح أن هناك توجها في القطاع البنكي نحو التخصص لوجود فرص للتوسع في بعض الأحيان، وللحفاظ على الحصة السوقية في معظم الأحيان، خصوصاً مع قدوم منشآت الأعمال المتخصصة إلى مجالات تمويل وخدمات بنكية كانت في منأى عن المنافسة فيما مضى. والحقيقة الثابتة هي أن هيكل القطاع البنكي وتغيراته لا تهم المستهلك النهائي وطالبي القروض إلا بقدر تخفيض تكاليف الحصول على المسكن بجانب رفع مستويات الرفاه وتنوع خيارات الحصول على التمويل.
لا تزال بنوكنا السعودية تحارب لقتل نظام الرهن العقاري لانة ببساطة سوف يجبر البنوك على التقليل من حجم القروض الاستهلاكية والتركيز على القروض الراسمالية التي تتجة الى بناء اصول حيث يعتبر القرض العقاري قرض ادخاري. بينما البنوك ترغب في اعطائك قرض قصير اجل بربحية عالية ولا ترغب باعطاء عملائها قرض طويل اجل بربحية منخفضة.