"السياسة والاقتصاد" أو "الاقتصاد والسياسة" كل يكمل الآخر، وكل منهما وجه للآخر وحتى لو حاولنا التكلم في الاقتصاد فسنجد أنفسنا في لحظة ما نتكلم سياسة والعكس صحيح والآن وبعد أن أصبح العالم كله قرية صغيرة وبعد أن اختطف "الإعلام الجديد" القيادة من الإعلام التقليدي وأصبح هو المحرك للكثير من القضايا السياسية والإقتصادية الوطنية والعالمية نجد أنفسنا اليوم بشكل لا إرادي في خضم تحولات سياسية واقتصادية هائلة تموج في المنطقة وتعبر عن نفسها بتحركات شبعية ثورية.
إن الشرارة التي أطلقت الاحتجاجات التونسية كما نعرف جميعا كانت على خلفية مطلب اجتماعي سرعان ما تحول إلى مطلب اقتصادي فمطلب سياسي فثورة، ومع أن البعض ظن بوحدانية الثورة التونسية إلا أن انتقال شرارتها إلى مصر هز مجتمعات المنطقة ودولها، وبالرغم من أن الأسواق العالمية للمال والسلع والنفط لم تعر ثورتا تونس ومصر الكثير من الاهتمام إلا أن توسع نطاق الثورة ليصل إلى ليبيا ثالث أكبر مصدر للنفط في قارة إفريقيا، دفع بأسعار النفط وبعض السلع إلى مستويات قياسية أرعبت الاقتصاد العالمي.
مما لا شك فيه أن ارتفاع أسعار النفط - الذي قد يصل حال تفاقم الأزمات الحالية إلى 220 دولار للبرميل أو أكثر حسب صحيفة التلغراف البريطانية وبنك نومورا الياباني - سيشكل ضغطا هائلا على الاقتصاد العالمي وسيجعل الدول الغربية غير قادرة على مواجهة الانعكاسات التضخمية - أقلها على المدى القصير- لأن ارتفاع أسعار النفط سيرفع تكاليف الإنتاج وضرائب الاستهلاك الأمر الذي سيرفع بدوره أسعار السلع الاستراتيجية وهذا ما لا يطيقه العالم كله في ظل الظروف الراهنة.
إن أكثر ما نخشاه نحن العرب اليوم أن يفشل الغرب في إدارة أزمة النفط الناجمة عن تداعيات الثورات العربية، كما فشل سابقا في إدارة أزماته المالية بل ونخشى أيضا – في عصر الثورات المتنقلة من بلد عربي لآخر - أن يخلق لنا فوضى لا حدود لها قبل ان يعيد ترتيب أوراقه بما يحفظ له نفطا رخيصا وأمنا مستداما لإسرائيل.
الضبابية السائدة حاليا في بلدان عربية عدة قد تدفع بالتكهنات إلى أقصاها، وأعتقد أن أي توقف لإمدادات النفط تزيد عن خمسة ملايين برميل يوميا سيكون بمثابة كارثة اقتصادية تتبعها كوارث انسانية لم تشهد لها البشرية مثيل وعندها سيقال أن العرب سبب هذه المأساة الإنسانية وسيطالبوننا بدفع فواتيرها في إفريقيا وأسيا وأمريكا اللاتينية علما أن أي كارثة اقتصادية عالمية قادمة ستكون نتيجة حروب خفية يقودها الغرب ضد اقتصادات أسيوية قريبة من مستويات الفقاعة وكل جهده سيكون منصبا خلال الفترة القادمة على تفجير هذه الفقاعة وتحميل ارتفاع أسعار البترول العربي وزرها .. فهل لدينا نحن العرب في ظل واقعنا الثوري الحالي ما يسمح لنا برصد ما يدبر لهذا العالم باسمنا ومن خلفنا؟.