عندما تضطرب الأمور السياسية في إحدى الدول المصدرة للنفط إلى الحد الذي تنخفض أو تتوقف صادراتها النفطية جزئياً أو كلياً، فإن الأسعار ترتفع بشكل استثنائي عاكسة بذلك حالة القلق لدى الدول المستهلكة من حدوث نقص في الإمدادات. وقد جدث ذلك في أعقاب حرب العرب مع إسرائيل عام 1973، وبعد ثورة إيران عام 1979، وبعد احتلال الكويت عام 1990. كما ارتفع سعر برميل النفط إلى أعلى مستوى تاريخي له في عام 2008 عندما وصل إلى 147 دولار نتيجة تدهور سعر صرف الدولار، ونمو الطلب بشكل كبير. وفي كل المرات التي ارتفعت فيها أسعار النقط بقوة ، كان الموقف ينقلب إلى الضد وتنخفض الأسعار في السنوات التالية، فبعد أن وصل سعر برميل الأوبك إلى 13 دولار للبرميل في أعقاب حرب أكتوبر1973، عاد السعر إلى الانخفاض في السنوات التالية ووصل إلى 7 دولار للبرميل، وبعد أن تجاوز السعر مستوى 40 دولاراً في عام 1980 إذا به ينخفض في السنوات التالية ويهبط دون 11 دولار للبرميل في عام 1986. وعندما ارتفع ثانية في صيف عام 1990، إذا به يهبط في السنوات التالية حتى منتصف التسعينيات، وعاد إلى الانخفاض في عام 1998 إلى ما دون العشرة دولار للبرميل. وبعد الارتفاع الأخير في عام 2008 هبط السعر إلى أقل من 40 دولار للبرميل.
وها هي الأسعار تعود إلى الارتفاع من جديد وتصل إلى 111 دولاراً للبرميل نتيجة عدم الاستقرار في ليبيا وتخوف الدول الأوروبية من انقطاع إمدادات النفط الليبي التي تزيد عن 1.1 مليون برميل من النفط الخفيف عالي الجودة. وإذا ما تأزم الموقف في ليبيا بأكثر من ذلك سواء لجهة انقطاع جزئي أو كلي للإمدادات أو إذا قامت كتائب القذافي بإحراق حقول النفط، أو إذا ما ازدادت المظاهرات الغاضبة في العراق وأثرت على عمليات الإنتاج، أو إذا ما امتد لهيب الاحتجاجات إلى الجزائر، فإن ذلك سيزيد من ارتفاع أسعار النفط من جديد، لتتجاوز السقف الذي وصلته في عام 2008 وهو 147 دولاراً، وقد تتجاوز المائتي دولار للبرميل كما أشارت إلى ذلك بعض التوقعات. وهذا الأمر ليس خيراً كله رغم ما يبدو في ظاهره من ارتفاع كبير في عائدات قطر والدول المصدرة ، وذلك للأسباب التالية:
1- أن الارتفاع الكبير في الأسعار سيؤدي إلى اضطراب الاقتصاد العالمي ويعود سريعاً إلى حالة الركود وفي ذلك أضرار كبيرة للاقتصاد القطري من ذلك تراجع الطلب على النفط، وانخفاض أسعاره إلى أقل من المستويات التي كانت عليها عند بداية العام الحالي.
2- أن الركود المنتظر سيؤدي إلى خسائر كبيرة في استثمارات قطر الخارجية.
3- أن الركود العالمي المنتظر سيوف يصيب الاقتصاد القطري بالضرر بما في ذلك القطاع المصرفي ، وهو ما سينعكس سلباً على أداء البورصة.
4- أن الارتفاع الكبير في العائدات قد يترتب عليه زيادة في الإنفاق العام داخل قطر، مما قد ينتج عنه عودة معدل التضخم إلى الارتفاع بشدة كما حدث عامي 2007 و 2008.
5- أن الارتفاع الكبير في العائدات سيقابله عجز كبير في موازين مدفوعات دول عربية وإسلامية غير منتجة للنفط، مما سيدفع قطر إلى زيادة معوناتها لتلك الدول، وبالتالي يتبخر جزء كبير من تلك العائدات.
لقد سارعت دول الأوبك إلى طمأنة الدول المستهلكة بأن لديها ما يكفي للتعويض عن إنتاج النفط الليبي، وخاصة من المملكة العربية السعودية التي تكاد تكون الدولة الوحيدة التي لديها فائض كبير في الطاقات الإنتاجية للحقول. وقد يكون ذلك مبرراً لضبط انفلات الأسعار في الزمن القصير، وإن لم يكن الأمر كذلك لو طالت فعاليات الثورة الليبية وامتدت شرارتها إلى الجزائر أو العراق فضلاً عن اليمن، فما الذي تخبأه الأقدار للناس في عام 2011؟؟