هل الجهاز المصرفي بحاجة إلى بنك جديد في عصر الاندماجات؟

16/02/2011 0
بشير يوسف الكحلوت

علقت في مقال سابق على بيان مصرف قطر المركزي الذي شرح فيه الأسباب الذي دفعته إلى اتخاذ قرار بإنهاء عمل الفروع الإسلامية للبنوك التقليدية. وقد اجتهدت في ذلك المقال في توضيح ما خفي على القارئ غير المختص من حيثيات قد تبدو غير مفهومة له، استناداً إلى  بعض خبرتي التي جمعتها من عملي السابق بمصرف قطر المركزي. وكنت أظن أنه بعد بيان المصرف المركزي، فإن الأمور قد وُضٍعت في نصابها وأن الجميع بات يُدرك أن المصرف لا يتخبط في قراراته وإنما هو يتصرف وفق ما يراه مناسباً للقطاع المصرفي بوجه خاص والاقتصاد القطري بوجه عام. ولكن الأحداث تتابعت خلال هذا الأسبوع في الاتجاه الآخر، حيث بدا مما نشرته الشرق يوم أمس أن هناك توافق على تأسيس بنك إسلامي جديد لاستيعاب ودائع ومحافظ وموظفي ومقار الفروع الإسلامية للبنوك التقليدية، وقد صٍيغ الخبر بطريقة لا تدع مجالاً للشك في أن الموضوع يكاد يكون منتهِ وأن الحصول على الموافقات ما هو إلا قضية وقت ليس إلا.

ومع أنني أتفهم الدوافع التي ينطلق منها المؤيدون لمثل هذا التوجه، وأطالب بالفعل بتسوية قضية الفروع بما لا يتسبب في إلحاق الضرر بموظفيها ولا بأصحاب المصلحة في تلك البنوك، إلا أنني أتساءل عما إذا كان  إنشاء البنك الجديد يحقق المصلحة للجهاز المصرفي وللاقتصاد القطري بوجه عام، أم أنه يتسبب في حدوث مشاكل للطرفين، وبالتالي يكون البحث عن حلول أخرى أكثر انسجاماً مع واقع الحال؟؟

للإجابة على هذا التساؤل أنبه  بداية إلى أننا ما زلنا حتى الآن نعيش تداعيات الأزمة المالية العالمية التي تركت أثاراً سلبية على الجهاز المصرفي، وأذكر بأن الدولة تنبهت في أكتوبر عام 2008 إلى أن الجهاز المصرفي سيتعرض لخسائر جسيمة من جراء تدهور أسعار العقارات وانهيار أسعار الأسهم، وهي لذلك قد سارعت إلى اتخاذ ثلاث خطوات هامة تمثلت في زيادة رؤوس أموال البنوك الوطنية ما عدا الوطني والريان والخليجي بنسبة 20% على مراحل، وشراء محافظ الأسهم ومحافظ الديون العقارية السيئة. ولولا هذا الدعم القوي  الذي قدرته مصادر بنحو 50 مليار ريال للحقت بالبنوك خسائر كبيرة. ثم اقتضت مرحلة النقاهة من الأزمة في عام 2010 تضييق الائتمان الخاص، والتوسع في الائتمان  المضمون المقدم للحكومة والقطاع العام، فساعد ذلك على حماية الجهاز المصرفي من الوقوع في مشاكل جديدة ولكنه لم يضع الجهاز على طريق التعافي التام بسبب وجود فائض في طاقات التمويل والإقراض. فكان أن دخلت بعض البنوك في عمليات اندماج كانت هي عنوان المرحلة حيث اندمجت العقارية مع بروة، والنقل البحري مع الملاحة، والمخازن مع أجيلتي، والأولى للتمويل مع بنك بروة، وبنك قطر الدولي مع الخليج التجاري.

وقد أشرت في المقال السابق إلى ظاهرة  الفائض الكبير في طاقات التمويل المصرفي بوجه عام والإسلامي منه بوجه خاص، نتيجة تزاحم هذا الكم الكبير من البنوك من كلا النوعين التقليدي والإسلامي، وفي البنوك  العاملة لدى مركز قطر للمال،  وأن ذلك أثر سلباً على نتائج البنوك في عام 2010، وأنه لولا الدعم الحكومي من ناحية، ولولا لجوء البنوك إلى خفض معدلات الفائدة على الودائع إلى أدنى مستوى تاريخي لها لما حققت البنوك نمواً في أرباحها، ولربما سجلت تراجعاً  كبيراً  كان من شأنه-لو حدث- أن يهز الاستقرار المصرفي وثقة عملاء البنوك فضلاً عن التأثير السيئ لذلك على أسعار الأسهم في بورصة قطر.

من هنا يمكن الجزم بأنه ليس من صالح الجهاز القطري ولا الاقتصاد القطري التفكير في إنشاء بنك إسلامي جديد في المرحلة الراهنة، لأن ذلك سيلحق الضرر بمصالح البنوك الإسلامية القائمة، خاصة بعد أن استكملت قطر تنفيذ برنامجها الطموح لإنتاج وتصدير 77 مليون طن من الغاز المسال سنوياً. وسيكون من السهل على المجتمع أن يستوعب ودائع ومحافظ التمويل الإسلامي للفروع، بالتنازل عنها للبنوك الإسلامية الكبيرة الريان والمصرف والدولي وبروة، كما أن تلك البنوك ستكون قادرة على استيعاب الكوادر العاملة في الفروع ، أو بإيجاد وظائف مناسبة لها في أماكن ومجالات أخرى.

إن إنشاء بنك جديد ليس بالأمر السهل ويتطلب دراسات متأنية لمدى حاجة البلاد لمثل هذا البنك ، ولا بد من موافقة مجلس الوزراء على قرار الإنشاء، ولنتذكر أن أي قرار خاطئ بإنشاء بنك جديد يترتب عليه أن يكون البنك عبئاً على الدعم الحكومي من ناحية، أو أنه قد يصل إلى حالة الإفلاس يوماً فيلحق الضرر بكل الجهاز المصرفي من ناحية أخرى.

ولا أجد ما أختم مقالي به إلا الدعوة إلى العودة إلى بيان مصرف قطر المركزي الذي صدر قبل أيام باعتبار أن ما جاء فيه هو الحل الأمثل لهذه القضية  لأنه جهة الاختصاص  الوحيدة في الموضوع. وأنوه إلى حقيقة هامة مفادها أن معظم الآراء المعارضة لقرار المركزي التي أدلى بها بعض الأخوة الكتاب في الأيام الأخيرة تُظهر حُسن نواياهم ورغبتهم الصادقة في المشاركة في قضايا المجتمع، ولكنها تنم عن افتقارهم لكثير من الجوانب الأساسية والعلمية  في الموضوع  ذلك أن منهم من ينظر إلى العمل المصرفي من زاوية تعامله مع البنك إيداعاً  أو تمولاً واقتراضاً، دون أن يمتد بصره إلى أبعد من ذلك.