عرضت في مقال سابق لملامح التغير في البيانات المصرفية للشهور الأحد عشر الأولى من عام 2010، وبخاصة ما طرأ على موجودات ومطلوبات البنوك التجارية في دولة قطر في العام المنصرم من تغير من واقع ما كشفت عنه بيانات الميزانيات الشهرية المجمعة للبنوك في الفترة ما بين ديسمبر 2009 و حتى نهاية شهر نوفمبر الماضي. وبعد صدور بيانات شهر ديسمبر 2010، تكون الصور الإجمالية للبيانات المصرفية في عام 2010 قد اكتملت وبات من الممكن بيانها للمهتمين، باعتبار أن التغيرات في أرقام البنوك تعكس في وقت مبكر حقيقة ما طرأ على الاقتصاد القطري من نمو من حيث أنها تمثل الوجه النقدي لما أنتجه المجتمع من سلع وخدمات. وبداية أشير إلى أن موجودات ومطلوبات البنوك مجتمعة قد ارتفعت في عام 2010 بمقدار 100.3 مليار ريال وبنسبة 21.3% عما كان عليه الحال في ديسمبر 2009 لتصل إلى 571.5 مليار ريال، وهو ما ينسجم مع معدل نمو الاقتصاد القطري في نفس السنة. فمن أين جاءت هذه الزيادة وكيف تم توظيفها؟
تظهر المقارنة بين أرقام شهري ديسمبر 2009 وديسمبر 2010 ما يلي:
• أن نحو 48.7 مليار ريال من الزيادة في جانب المطلوبات قد كانت من نصيب ودائع القطاع الخاص، التي ارتفعت إلى مستوى 205.4 مليار ريال (بزيادة سنوية 31.1%) بينما زادت ودائع الحكومة والقطاع العام بنحو 3.9 مليار ريال إلى 72.1 مليار ريال، وزادت ودائع غير المقيمين بنحو 7.7 مليار ريال إلى 29.7 مليار ريال. وبالمجمل فإن الودائع بأنواعها قد زادت بنحو 59.9 مليار ريال وبنسبة 24.3% ، وبما يعادل 59.7% من إجمالي الزيادة في المطلوبات.
ومن جهة أخرى وفرت الزيادة في ودائع البنوك الخارجية لدى البنوك المحلية ما مقداره 17.9 مليار ريال من إجمالي الزيادة في المطلوبات، ليرتفع رصيد تلك الودائع إلى 97.1مليار ريال. كما بلغت الزيادة في حسابات رأس المال نحو 9.8 مليار ريال وزاد رصيد السندات المصدرة للغير(ديون) بمقدار 5.1 مليار ريال.
• وفي المقابل فإن الزيادة بمقدار 100.3 مليار ريال في جانب موجودات البنوك قد تم توظيفها في عدة بنود أهمها 44.7 مليار ريال في قروض داخل وخارج قطر؛ منها 41.8 مليار محلياً و 2.9 مليار خارج قطر. وقد استحوذت الحكومة والقطاع العام على نحو 28.7 مليار من تلك الزيادة، بحيث ارتفع رصيد الائتمان الممنوح للحكومة والقطاع العام إلى 103.1 مليار ريال (بزيادة سنوية نسبتها 38.6%)، فيما حصل القطاع الخاص على 14.6 مليار ريال ارتفع بها رصيده إلى 191.8 مليار ريال( بزيادة سنوية نسبتها 8.2%).
واستحوذت الزيادة في موجودات البنوك لدى مصرف قطر المركزي على نحو 47.2 مليار ريال من إجمالي الزيادة في جانب الموجودات( أي 100.3 مليار)، منها 2.9 مليار زيادة في الاحتياطي الإلزامي بدون فائدة، و 42.4 مليار زيادة في رصيد الاحتياطي الحر للبنوك لدى البنك المركزي بفائدة 1.5% سنوياً. وزاد رصيد البنوك من السندات الحكومية بنحو 9 مليار ريال إلى 39 مليار ريال.
(يلاحظ أن مجمل الزيادات المشار إليها في بنود الموجودات تزيد عن 93 مليار، بسبب انخفاض بعض بنود الموجودات الأخرى).
والخلاصة أن ودائع القطاع الخاص قد زادت في عام 2010 بنسبة 31.1%، فيما زادت حصة هذا القطاع من التسهيلات الائتمانية المقدمة من البنوك بنسبة 8.2% فقط. وفي المقابل زادت ودائع القطاع الحكومي والعام بنسبة 5.7% فقط في الوقت الذي زادت فيه حصته من التسهيلات الائتمانية في نفس الفترة بنسبة 38.6% إلى 103.1 مليار. وهذه المقارنة تظهر بوضوح أن الذي نما بشدة في الاقتصاد القطري في عام 2010 هو القطاع الحكومي والعام، بينما حقق القطاع الخاص نمواً محدوداً.
وتظل ملاحظة أخيرة في هذا التحليل تتعلق بنمو أرصدة البنوك الخارجية لدى البنوك المحلية بحيث وصلت إلى رقم قياسي لم تصله في فترة المضاربة على الريال في عامي 2007/2008 وهو 97.1 مليار ريال، وذلك ليس له تفسير إلا ارتفاع فائدة الودائع بين البنوك في قطر إلى مستوى 1.5% مقارنة بالمعدلات المناظرة في منطقتي الدولار واليورو. ولأن البنوك المحلية لا تريد أن تتحمل تلك الفائدة، ولا تريد أن تستغل هذه الأرصدة في التوسع في إقراض القطاع الخاص- لأسباب قد تكون مفهومة وتتعلق بالآثار التي خلفتها الأزمة المالية العالمية- فإن التصرف المنطقي في هذه الودائع هو في إيداعها لدى مصرف قطر المركزي مقابل الفائدة المشار إليها. ومن هنا وجدنا أن أرصدة البنوك لدى مصرف قطر المركزي قد ارتفعت إلى مستويات قياسية غير مسبوقة إذ بلغت 69 مليار ريال بنهاية عام 2010، مع تحمل المصرف المركزي لتكلفة تلك الودائع لديه. وهي تكلفة كبيرة ونقدرها بأكثر من 700 مليون ريال. وقد أدت هذه المعطيات إلى إحداث تغيير جوهري في السياسة المصرفية للمصرف المركزي تلخصت، في وضع سقف لما يمكن لأي بنك إيداعه لدى المركزي بفائدة المصرف البالغة 1.5% وهذا السقف يعادل رصيد البنك من الاحتياطي الإلزامي مطروحاً منه ما لدية من شهادات إيداع. وبموجب السياسة الجديدة فإن المركزي لن يدفع فائدة لأكثر من 10 مليار ريال شهرياً لكل البنوك وفق المعطيات الراهنة( أي ما لا يزيد عن 150 مليون ريال سنوياً تقريباً). وقد أقدمت الحكومة على امتصاص فائض السيولة لدى البنوك بإصدار سندات حكومية بفائدة 5% ولأجل 3 سنوات وبقيمة 50 مليار ريال، وتم ذلك في 18 يناير، ولهذا السبب ستسفر بيانات شهر يناير عند صدورها عن تغيرات مهمة في موجودات البنوك لدى المركزي.
اخي الفاضل بشير اشكرك من الاعماق على مقالاتك الرائعة و تحليلاتك و مداخلاتك المميزة الله يعطيك العافية
شكراً يا كنج على تعليقك، وأرجو أن يساعدني الله لكتابة ما يفيد الناس، وهناك ملاحظة أرسلت بشأنها رسالة قبل قليل إلى أرقام وهي أن الفئدة التي سيدفعها المركزي لن تزيد عن 150 مليون ريال وليس 500 كما في السطر الثالث قبل الأخير من المقال .
ياستاذ بشير الله يعطيك العافية ....ياليت لو تقوم بدراسة مقارنة بين الاداء البيني للبنوك القطرية من حيث الودائع والموجودات والربحية والمطلوبات ومن ثم تقوم بدراسة استشرافية للسؤال الاكبر : عن من سوف يكون الرابح الاكبر من النمو في الاقتصاد القطري في الفترة المقبلة .......وياليت ايضا لو تشتمل دراستكم عن مقارنة لبنوك قطر مع البنوك السعودية .... شاكرين ومقدرين مقدما لكم على هذه الدراسة التي سوف تكون فعلا نافدة على اداء القطاع المصرفي القطري.
الشق الأول من الطلب معقول ويمكن إنجازه عندما يتاح لي الوقت الكافي أما المقارنة مع البنوك السعودية فذلك يعني دراسة نفس المعطيات لتلك البنوك قبل إجراء المقارنة، وهو ما يتطلب وقتاً أكبر ولكن الفكرة تبدو جديرة بالاهتمام
شكرا لكم استاذ بشير على وعدكم بتلبية الطلب .....الكثيرون ينتظرون مقالاتكم في السياسة النقدية القطرية وفي القطاع المصرفي القطري لما تشتمله من ثراء وتحليل قيميين. .........