أنا مظلوم ...

29/01/2011 1
عبد المحسن القعيد

موظف حكومي: يدعي انه مظلوم ... راتب ثابت ... منصب لم يتغير ... يتطلب منه انجاز كل معاملات المواطنين المراجعين له ... مقابل مال لا يتغير ... ومنصب لا يعلو ... ووقت عمل 8 ساعات منها ساعة للراحة والغداء ... وساعة للصلاة ... وساعة لإحضار الأبناء من المدرسة ... وساعة في شرب الشاي والقهوة ... وساعة للمكالمات ... وساعة لتقديم معاملات أقربائه ( واسطة ) ... وأخر ساعة في العمل لا يرى انها تتطلب حضوره ... (( إلا من رحم ربي )).

مدرس : يدعي انه مظلوم ... ذو عطاء ومربي أجيال وراتب متواضع ... إجازات طويلة ولكن وقت العمل تعب شاق ... يعيد ما يشرحه مرات عده ... يصحح واجبات واختبارات وأمام أمانه ... يعدل في توزيع الدرجات.

طالب : يدعي انه مظلوم ... شرح غير وافي ... اختبارات صعبة ... إهانات من المدرسين للطلبة ... تفضيل بين الطلاب ... تسريب وبيع اسأله ... متطلبات زائدة وكل معلم يرى أن كل طالب يجب عليه التفرغ التام لمادته.

رب أسرة : يدعي انه مظلوم ... طلبات المعلمين تتزايد ... عملة يطلب منه عمل خارج الدوام ... البنوك تطالبه بأقساط قروض أخذها على نفسه ... يبحث عن سكن وقد باع منحة ارض قبل ارتفاعها واستهلك أموالها دون أن يعلم أنها سوف ترتفع ...

مدير شركة : يدعي انه مظلوم ... فأنه لم يستطع الحصول على نسبة عمال من الخارج كغيرة ... انه لا يحصل على مناقصات حكومية لكي يزداد هامش ربحه ... انه لم يستطع إدراج شركته في الأسهم السعودية بقيمة مناسبة له وعلاوة كغيرة ... انه يجبر على دفع أموال الموظفين للتأمينات الاجتماعية وهذا يتطلب منه دفع أموال إضافية من أرباحه ... انه مظلوم.

موظف شركة : يدعي انه مظلوم ... انه يتقاضى راتب أقل مما يرى انه يستحق ... دوامة طويل ... ان المديح لمن يعلوه .. واللوم عليه في أي تقصير ... أن صاحب الشركة يربح من عمله ومن المفترض أن لا يربح لأنه عمل يده.

ابن: يدعي انه مظلوم ... من والدية ... لم يوفروا له غير الطعام والشراب والملبس والنقل والتدريس ... ولم يوفروا له سيارة وبيت وزوجة .. فيردد (" ليتهم لم يكونوا أهلي ") إلا من رحم ربي ... مظلوم لان غيرة لدية أفضل منه ,, بغض النظر عن من هو اقل منه ... مظلوم لأنه لم يحصل على مصروف كافي لمتطلباته كغيرة.

عاطل: يدعي انه مظلوم ... لم يحصل على وظيفة تناسبه ... ولم يجد راتب يكفي لمصروفاته ... ولن يجد من ينظم حياته بل يسهر طول الليل وينام في النهار من شدة الظلم لم يجد من يحتويه من عمل ومصروف ومسكن ... مظلوم لانه ليس لدية والدين مثل غيرة ... يقوم بتلبية كل طلباته و حاجياته.

فقير: يدعي انه مظلوم ... لم يجد صاحب شركة يقوم بتوظيفه ... لم يجد تاجر ينفق عليه من زكاته ... لم يجد مواطنين يتصدقون عليه رغم ادعاء بعضهم المثالية ... لم يجد صاحب المسكن الذي يتغاضى عن مطالبته بالإيجار كل شهر.

عامل مزرعة: يدعي انه مظلوم ... فهو من قام بزراعه بذور الأرض بيده ... هو من قام بقطف الثمار .. هو من قام بالسقاء ... مقابل مبلغ زهيد.

مضارب في سوق الأسهم: يدعي انه مظلوم .. فأنه اشترى أوراق ماليه في كامل وعيه التام و يبحث عن مضارب أخر يشتريه بربح ولم يجد ... مظلوم لأنه لم يحصل على صديق خائن الأمانة يسرب معلومات إليه ... مظلوم لأنه اشترى يريد أن يربح فخسر.

من الظالم في جميع الحالات ؟ وأين تذهب أصابع اللوم ؟ و لماذا ؟

نحن من ظلم أنفسنا و بعضنا للبعض ... بأنانيتنا , وقبول دخول الحساد في حياتنا , وإصغائنا , وظلمنا لغيرنا.

كيف ذلك ؟

موظف الحكومة: يلوم على تقصير الموظف الذي يعلوه , و ينسى تقصيره هو , و ينسى من ينتظر أن ينجز معاملاته , ويسمع لمن يؤيده على تقصيره في تأدية الامانه , وينسى أن هنالك من هو أحق منه.

المدرس: يلوم من يعلوه في ترقيته و رفع مرتبة , و لا ينظر إلى من ينتظر فرصة توظيفه معلم و الذي قد يكون أجدر منه , و لكن ... نفسي نفسي ... ولم ينظر إلى عناء بعض اسر الطلاب من متطلباته.

طالب: لا ينظر إلى شقاء غيرة , ولا إلى عناء من سبقه ,ويضع اللوم على مباني المدرسة  و عندما يكون معلما , يتناسى ما حدث له في السابق.

رب أسرة: يلوم غيرة على قراراته الشخصية , يلوم غيرة على ما يفعل و يريد ابنائة , يلوم غيرة وهو المعلم او الموظف او صاحب الشركة.

مدير شركة: لا ينظر إلا إلى  مصلحته , فلا يريد ان يعمل في مناقصة بكل ما طلب منه , لا يريد أن يعطي الموظفين حقوقهم و تأمين معيشتهم، لا يريد ان تقل إرباحه او بمعنى مسروقاته , ويرى ان كل تقصير انه من حقه , وان قيام الدولة بتسليمه أمانه كسماح منه بسرقتها.

الابن: تعود على أن كل ما يريد , يحصل عليه , من قلب محب , و من نفس راضيه , فأي توقف عن تلبيه طلباته يعتبره ظلم و بهتان , و السبب من يحسده من حوله , ومنها نكران الجميل و المعروف . فينظر إلى أب راتبه مثلا 10 آلاف ريال و لدية ابن وحيد و يقارن ذلك براتب أبيه الذي يفوق عشرون الف و لدية 10 ابناء.

عاطل: ينظر إلى من يعمل و يشقى , و لا ينظر الى نظرة  حاسد , بما انه لا يغضب الله في عملة , ويريد من الغير ان يحتويه كما كان يحتويه و الدية في صغره , فا يريد ان يكون في منصب شخص أكفى منه , فالكل يرى انه كفو في العمل الذي يريده.

فقير: مظلوم  ممن حوله , و قد يكون أول من يحتويه و يغتني بسببه بعد فضل الله  ينسى من كان مثله , حتى قد تجد انه يبتعد عن من كان يصادقه في فقرة.

عامل مزرعة: عنى في حفر الأرض و في زرع البذور و اخذ قدر عنائه في وقتها , ولكن يأتيه الشيطان من جانب فيرسم له ان من اكرمة بالعمل لا يستحق الإكرام , لان الأرض انت من زرعتها و بذرتها , و تناساء من اشترى الأرض و من دفع ما جمع ليكونها و لمن دفع من ما يمتلك احور له في بدايتها.

مضارب سوق الأسهم : يلوم عندما يقدم باتخاذ قرار تجارته و استثماراته , عندما يبيعها بأقل من اشتراها , و لا يلوم من اشترى منه بأعلى من سعر شرائه في غيرها , و ينسى التنظيم الذي وضع من اجله , و ينسى ما تم إبلاغه عنها , و يتناسى من جعل له حرية القرار , و يتناسى من جحد الامانه و أخبرة بأسرار الشركة , و كأنها حلال عليه و حرام على غيرة.

خلاصة القول :

ان الحاسد و الأناني هو من يشير إليك من يعدل لك انه ظلمك , فنحن نظلم أنفسنا , ان سلمت لك امانه سرقتها , وبررت لنفسك العدل ,و ان أغناك الله نسيت فقرك , وانك ترى تقصير والديك و لم ترى إلى محاسنهم , انك ترى إلى ما ينقصك ولا تنظر الى ما توفر لديك , انك ترى الى مصلحتك و تنسى مصلحة غيرك , انك تريد من غيرك العطاء و لا تريد من نفسك الا الأخذ.

فالو كل إنسان قام بتأدية الامانه على وجه الحق , لم يجد الظلم مكان له , فالوالدين ينفقون و الابن ينكر , فالتعليم يبذل قصار جهده للتوظيف  و المعلم ينكر , الموظف يبذل قصار جهده و المدير يجحد , الحكومة تبذل قصار جهدها وبذخها و عطائها , و يأتي من هو حاقد على ما أعطت فلذات أكبادها فيجعل ضعاف النفوس تجحد و تنكر , رغم ان من أبنائها من باعو الامانه.

إذا أنت أكرمت الكريم ملكته وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا.

وأخيرا ..

كل ما كتب كمثال , على اللئيمين فقط و الذين انكرو المعروف و باعو الامانه , و ليست شامله , فنحن في بلد الخير , المعطاء , و لكن من يحسدونا و يتمنون زوال النعم علينا , يصطادون في المياه العكرة.

حماك الله يا وطني ... يا بلد الخير و العطاء

واسترشد بنقل قصة فيها من الحكمة و الموعظة الكثير ...

طلب الوالي من أهل القرية طلباً غريباً.. في محاولة منه لمواجهة خطر القحط والجوع الذي تمر به.

القرية.. وأخبرهم بأنه سيضع قدراً كبيراً في وسط القرية، وعلى كل رجل وامرأة أن يضع في القدر.

كوباً من الحليب بشرط أن يضع كل واحد الكوب وحده من غير أن يشاهده أحد.

هرع الناس لتلبية طلب الوالي كل منهم تخفى بالليل، وسكب ما في الكوب الذي يخصه.

وفي الصباح فتح الوالي غطاء القدر.

وماذا شاهد؟

القدر امتلأ بالماء ولا يوجد حليب؟

أين الحليب؟ لماذا وضع كل واحد من الرعية الماء بدلاً من الحليب؟

السبب هو إن كل فرد من الرعية.. قال في نفسه : "إذا وضعت كوباً واحداً من الماء فإنه لن يؤثر.

على كمية الحليب الكبيرة التي سيضعها أهل القرية في القدر"!!

وهذا يعني إن كل فرد اعتمد على غيره في رعاية مصالح البلد.

وكل واحد منهم فكر بالطريقة نفسها التي فكر فيها غيره..

وكل واحد منهم ظن أنه هو الوحيد الذي سكب ماءً بدلاً من الحليب.

والنتيجة التي حدثت أن الجوع عمّ هذه القرية، ومات الكثير منهم.

ولم يجدوا ما يعينهم وقت الأزمات.

وصلى الله على نبينا محمد و على اله و صحبه و سلم.