تلاحقت التطورات الاقتصادية في الأسبوع الماضي بشكل غير عادي، فكانت البداية في الإعلان عن قيام جهاز الاستثمار بسداد 5.5 مليار ريال نقداً لخمس من البنوك التجارية الوطنية نظير تملكه العشرة بالمائة من الزيادة المقررة للجهاز في رؤوس أموال هذه البنوك. ثم أعقب ذلك الإعلان عن عزم مصرف قطر المركزي طرح سندات حكومية بقيمة 50 مليار ريال وبفائدة 5% ولأجل ثلاث سنوات، ثم إعلان هيئة قطر للأوراق المالية عن تحديد الثلاثاء الأول من فبراير للبدء في تطبيق التعديلات على نظام التداول بالبورصة. كما تتابع الإفصاح عن نتائج المزيد من الشركات المساهمة لعام 2010، فظهرت نتائج بنك الدوحة والمصرف والأهلي ودلالة والمتحدة للتنمية، بعد أن سبقتها إلى ذلك شركات الوطني والإجارة وفودافون والسلام. ووسط كل هذه التطورات كان مؤشر البورصة يتراجع بشكل يومي تقريباً ويسجل مع نهاية الأسبوع انخفاضاً بنحو 171 نقطة وبنسبة 1.85% عن الأسبوع السابق، مع حدوث تغير ملحوظ في المجاميع الأخرى للبورصة كانخفاض رسملة السوق بنحو 9.5 مليار ريال، وتراجع المعدل اليومي للتداول بنسبة 10.6%، وتقلص المشتريات الصافية للمحافظ الأجنبية إلى أقل من ثلث ما كانت عليه في الأسبوع السابق، فهل كان للتطورات المشار إليها أعلاه تأثير على أداء البورصة فحدث فيها ما حدث من تغير؟ أم أن الانخفاض الذي لحق بالمؤشر هو مجرد تصحيح لازم بعد سلسلة من الارتفاعات التي طالت بأكثر من اللازم، ولا بد من الناحية الفنية أن يتبعها انخفاض تصحيحي؟
لقد كان الإعلان عن سداد جهاز قطر للاستثمار قيمة الزيادة في رؤوس أموال خمس من البنوك الوطنية وبما قيمته 5.5 مليار ريال، أمر إيجابي وخاصة أنه لم يتأخر كما حدث عند تنفيذ الشق الأول من الزيادة عام 2009، وإنما تم التنفيذ الكامل لزيادة العشرة بالمائة، بالمبلغ المشار إليه نقداً، ولم يكن في صورة سندات حكومية. وهذا التطور شكل زيادة في السيولة المتاحة للبنوك المعنية بقيمة الخمسة مليارات، ومن ثم كان من المفترض أن يكون بمفرده عامل دعم للأسعار في البورصة وليس العكس.
على أن التطور الثاني المتمثل في قرار إصدار سندات حكومية بقيمة 50 مليار ريال دفعة واحدة كان له تأثير معاكس على أداء البورصة من حيث أنه سيعمل على امتصاص معظم فائض السيولة المتاح لدى البنوك- والذي ربما كان لا يزال مودعاً كرصيد حر لدى مصرف قطر المركزي وفقاً لبيانات شهر نوفمبر-. وعليه، قد يكون هذا التطور الذي تواترت أخباره منذ بداية الأسبوع قد شكل عامل ضغط على أسعار الأسهم، ليس لتأثيره المباشر على حجم السيولة المتاحة فقط وإنما أيضاً لأنه فرغ التطور الأول الخاص بزيادة رؤوس أموال البنوك بنسبة 10% من تأثيره المحتمل.
وقد تزامن هذا الأمر مع إفصاح المزيد من الشركات عن نتائج أعمالها لعام 2010، وعن التوزيعات المقترحة على المساهمين، فجاءت أرقام الأرباح ومن بعدها نسب التوزيعات ضمن ما كان متوقعاً بدون مفاجآت، وبما يتناسب مع المستويات التي وصلتها أسعار أسهم هذه الشركات في الآونة الأخيرة، ومن ثم لم تشكل تلك الإفصاحات أية قوة دافعة للأسعار كي تحافظ على مستوياتها التي وصلتها فضلاً عن تمكنها من تحقيق ارتفاعات جديدة.
ثم جاء الإعلان عن قرار الهيئة تنفيذ التعديلات الجديدة على نظام التداول اعتباراً من الأول من فبراير لتضيف عنصراً جديداً قد يكون قد أُعتبر من بين العوامل الضاغطة على الأسعار والمؤشر، وذلك نظراً إلى أن التغيير في الأنظمة عادة ما يحمل في طياته البُعد عن المألوف والمجرب، فتكون النتيجة أن البعض يفضل البقاء خارج اللعبة لحين معرفة تبعاتها على الغير. وهذا التطور قلص من عمليات الشراء الصافي للأفراد غير القطريين وللمحافظ القطرية.
وهكذا عملت أغلب التطورات الجديدة على الضغط على الأسعار ومن ثم في وقف مسلسل ارتفاعاتها، فحدث ما حدث من تراجع قوي. لكن ذلك لا يستبعد وجود عوامل آخر لعل من بينها تواصل ارتفاعات الأسهم في بورصة نيويورك والبورصات العالمية الأخرى، وهو ما شكل عنصر جذب للمحافظ الأجنبية إلى البورصات الأخرى.
على أن العامل الفني يظل له اعتباره في تفسير ما جرى من تراجع، فقد ارتفع المؤشر بأكثر من 2200 نقطة منذ انطلاقته المباركة في منتصف أغسطس الماضي، ولكي يستطيع مواصلة الارتفاع من جديد، يجب أن يتوقف لالتقاط الأنفاس بنسبة انخفاض في حدود 25% أو 30% على الأكثر من الزيادة التي حققها، وذلك يعادل 550 نقطة بالنسبة الأولى، و660 نقطة بالنسبة الثانية، وذلك يعنى احتمال تراجع المؤشر إلى ما بين 8650-8800 نقطة.
ويظل ما أكتب دائماً رأياً شخصياً يحتمل الصواب والخطأ ،،، والله سبحانه وتعالى أعلم..