نرهن الذهب والمجوهرات ومن دون فوائد

08/01/2011 5
د. قصي الخنيزي

أوردت ''الاقتصادية'' يوم الخميس الموافق 6/1/2011 نقلاً عن ''رويترز'' خبراً مفاده رفع بنك HSBC, وهو من أكبر البنوك العالمية استثماراً في الذهب توقعاته لسعر المعدن النفيس في 2011 لتصل إلى 1450 دولارا للأوقية (الأونصة) معدلاً من توقعاته السابقة بوصول سعر الأوقية إلى 1425 دولارا, معللاً ذلك بتوقعات بأن يجتذب الذهب المستثمرين كملاذ آمن. ويأتي هذا التوقع استمراراً لمسار سعر الذهب التصاعدي في السنوات الأخيرة مدفوعاً بعدة أسباب منها الأزمة المالية العالمية وارتفاع مخاطر الاستثمار، تراجع سعر صرف الدولار، وارتفاع نصيب الذهب كجزء من احتياطيات عدد من البنوك المركزية في العالم ما أدى إلى ارتفاع الطلب الكلي عليه.

لفت نظري هذا الخبر حين مررت الأسبوع الماضي بنحو ثلاث لوحات إعلانية كبيرة جاذبة بلونها الأصفر في المنطقة الشرقية تابعة لأحد محال المجوهرات ومكتوب عليها ''نرهن الذهب والمجوهرات، وبدون فوائد''، فماذا تعني؟ تقنياً، تعني هذه الإعلانات توفير تمويل شخصي بضمان الذهب والمجوهرات كرهونات تضمن لمحل المجوهرات قيمة القرض الذي يكون بصورة نقد يتم توفيره لصاحب الذهب أو المقترض. لذا، فالعملية برمتها هي عملية تمويلية تشابه تمويل البنوك للأفراد لكن بضمانات عينية هي عبارة عن ذهب ومجوهرات يتم تقييمها من قبل محل المجوهرات ودفع المبلغ نقداً لصاحب الذهب مع احتفاظ المحل بالذهب لفترة معينة هي فترة القرض على أن يتم إرجاع الرهن لصاحبه وقت الإيفاء بالدين. هذا هو التفسير التقني أو الآلية المتوقعة بشكل عام، أما حقيقة التعامل وتفاصيل العملية فقد تنضوي على الكثير من الثغرات والتعقيد الذي قد يؤدي إلى خسارة المقترض أو صاحب الذهب مبالغ كبيرة قد تزيد في مجملها على فوائد أي قرض بنكي أو صيغة ائتمان مقدمة من البنوك الإسلامية، حيث إن التفاصيل هي مربط الفرس في هذه العملية التمويلية. فمحل المجوهرات في هذه الحالة يقدم تمويلاً، أي أنه يدخل في نشاط تمويلي ليس من صميم العمل أو النشاط التجاري المرخص له, فالجهات المرخص لها بالتمويل هي البنوك التجارية, بينما شركات التقسيط فتبيع سلعاً بائتمان ويعتبر التقسيط هنا ائتمانا, لكن مقابل سلعة محددة يسمح وينص عليها الترخيص التجاري. وفي حالة محل المجوهرات فإن تقديم الائتمان عبارة عن ممارسة لنشاط تمويلي يتطلب ترخيصاً من الجهات المعنية للتمكن من حفظ حقوق المقترضين والمقرضين. وهناك عدة نقاط اختلاف بين التمويل البنكي وتمويل محل المجوهرات منها كون عملية تمويل الأفراد من قبل البنوك في حالة القروض الشخصية لا تعتمد على الرهونات بل على تقييم الجدارة الائتمانية للمقترض وقدرته على الوفاء بالتزاماته, بينما يعتمد تمويل محل المجوهرات على قيمة الرهونات التي يوفرها المقترض من ذهب ومجوهرات، أي أن محل المجوهرات لا يتعرض لمخاطر ائتمان كتلك التي يتعرض لها البنك المقرض.

من ناحية أخرى، يتم تحديد قيمة القرض الشخصي عند تمويل البنوك في أغلب الحالات بناء على القدرة على السداد وتطبيقياً في حالة توجيه الراتب بناء على الدخل الكلي بحيث يتناسب مع الأنظمة والتعليمات ذات العلاقة بالقروض الاستهلاكية. فعلى سبيل المثال، تبعاً لتوجيهات مؤسسة النقد العربي السعودي التي صدرت في صيف عام 2005 يجب ألا يتجاوز إجمالي القروض الاستهلاكية للمقترضين الأفراد نسبة ثلث الدخل لضمان مصلحة المقترضين ومانحي الائتمان، أي أن دور الجهة التنظيمية والرقابية واضح في التحوط ضد أي مخاطر مستقبلية وبما يتسق مع مصلحة المقترضين. أما محل المجوهرات، فليس له علاقة بإجمالي تعرض المقترض أو إجمالي قروضه الاستهلاكية وما يعنيه فقط هو قيمة الذهب والمجوهرات التي تشكل ضمانة لاسترداد الائتمان الممنوح ودون وجود ضوابط أو أنظمة رقابية تحكم سير العملية برمتها. ومن الاختلافات الأخرى بين الائتمان البنكي وائتمان محل المجوهرات هو الفرق بين تقييم مبلغ الإقراض وقيمة الذهب والمجوهرات المرهونة، حيث إن الائتمان البنكي معروف مقداره وسعر فائدته وفترات استحقاقه, بينما ائتمان محل المجوهرات يخضع لتقييم صاحب المحل لجودة وصفاء الذهب والمجوهرات وتقدير قيمتها السوقية بناء على سعر الذهب السائد, الذي يتسم بالتذبذب. لذا، من المنطقي افتراض وجود احتمال لتقييم الرهونات من ذهب ومجوهرات بأقل من قيمتها السوقية أو الحقيقية بصورة تعتبر هامش ربح ومخاطرة تدخل كربح صاف لصاحب محل المجوهرات في حالة تعثر المقترض عن السداد.

وختاماً، من المهم أن يتم تنظيم عملية الائتمان والرهونات التي تفتقد هيكلية واضحة ومقاييس موضوعية بطريقة تضمن حفظ حقوق المقترضين والمقرضين على السواء وتفادي أي مشكلة مستقبلية تبرز من ممارسة نشاط غير ذي علاقة، أما اللوحات الإعلانية فتذكرني بحملة إعلانية كبيرة قبل عدة سنوات ارتكزت على شعار ''قوة العبور إلى الغد''.